واعيي الحيلة تحايلك عليه. هو لا يريد أن يسلك هذا المسلك الذي سلكه كل الناس وعليه بنى المجتمع أحكامه. فهذه المقادير تجري على نظم لو كانت بيد الخلق لغيرتها تغييراً يقلب من هذه الأوضاع التي جعلت الفاجر مجتبي والفاضل مهضوم الحق معدماً. ثم (إن الناس بنو رجل وامرأة، ما أدنى المؤتشب من اللباب). فأيا ما كان الاختلاف بين الناس فهو لن يخرجهم عن الجنس ولن يقوم بينهم وبين أن ينتسبوا جميعاً إلى صفات مشتركة عامة، و (الناس في عدل الله سواء، هم سواء رغم اختلاف طبقاتهم وأوضاعهم الاجتماعية وتقدير المجتمع لهذه الاختلافات والأوضاع. فمجيئنا إلى الحياة واحد، وخروجنا من الحياة واحد كذلك. وما دمت ستنتهي إلى غاية تستوي فيها الناس جميعاً، مهما تكن أوضاعهم الاجتماعية، فجدير بك أن تخفف من التغالي، وإلا تسرف فيما بينك وبين غيرك من فروق حكمت بها الأقدار وقدرتها تقديراً، وجدير بك أن تعطف على الفقير وأن ترأف به: (فمن ذخر جميلاً وحده عند الله) ولا أحد (بالشح أمرك وعلى الدنيا أمرك) من؟ (أخالقك الذي صورك؟ كلا. وعظمته لقد أنذرك!)
هذا نظر أبي العلاء في ظاهرة من ظواهر الكون، فأما نظره في الكون نفسه، فهو امتداد لتلك الفكرة أو أصل لها على وجه أصح.