للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يشير إليها؟ أهكذا تطغي المطامع على العقول والقلوب حتى لتجعل من الحكمة استعجال الارتباكات! ولكن خرافة الذئب والحمل لن تزال أبداً الأساس الذي يقوم عليه المنطق في كل ما يجري من كلام بين الضعيف والقوي في هذا الوجود.

وأي دليل أبلغ من هذا الدليل على صحة ما ذكرناه ويذكره كل منصف عن السياسة الإنجليزية تجاه مصر منذ كان لها في هذا الوادي أطماع؟ ألا إنا لنقرر في غير تردد أن هذه السياسة اللئيمة كانت خليقة بان تقابل من جانب الوطنيين بكل مقاومة، بل إنها سياسة كان يغتفر في مقاومتها يومئذ كل عنف. . . ولكن بعض الناس لا يزالون يأخذون على عرابي وحزبه تشددهم وعدم مصانعتهم خصومهم ويعدون حسناتهم هذه من السيئات التي لا تغتفر ولا تنسى.

ورأى جرانفل أن يشايع فرسنيه في هذه المسألة وكان يرى فرسنيه أن يخفف توفيق الحكم كما ترى الوزارة فتنتهي هذه الأزمة؛ ولكن كيف يدع ماليت الفرصة تمر وهي من صنع يديه؟ وكيف يطيق أن تخرج الوزارة من الأزمة ظافرة فيكون ظفرها في الواقع هزيمة له؟ لذلك ما زال بتوفيق حتى وقع على أوراق الحكم بنفي المتآمرين إلى خارج البلاد مع عدم استبعاد أسمائهم من سجلات الجيش!

وتلقت الوزارة اللطمة وتلقتها معها البلاد، وآلم عرابي وضباط الجيش من الوطنيين هذا الترفق بالمتآمرين وهم الذين كانوا على وشك أن يفقدوا رؤوسهم بالأمس أو ينفوا إلى أقصى السودان لأنهم شكوا من سوء ما يصنع بهم رفقي. . .

وأعلنت الوزارة على لسان رئيسها أن لابد من قرار يلغي هذا القرار حتى تمحي تلك الإهانة التي وجهت إليها وإلى البلاد في شخصها، ولكن ماليت حذر الخديو أن يجيب وزراءه إلى ما طلبوا! ويستطيع القارئ أن يدرك خطورة هذا الموقف فلقد تأكدت القطيعة بين الخديو ووزرائه وانعدمت الصلة وتفاقم البلاء.

وصل كل من الطرفين إلى الموقف الذي يفسر به كل عمل حسب ما يجري في أطواء النفوس، ففي كل حركة ريبة وفي كل بادرة إهانة، وكل نية لن تكون إلا نية سوء، وكل جنوح إلى السلم لن يؤخذ إلا على انه ضرب من الهزيمة والتسليم، وكل كلمة نابية أو شديدة لن تفهم إلا على أنها ضرب من التحدي يراد به إعنات القلوب وإحراج الصدور. .

<<  <  ج:
ص:  >  >>