الإنسان من الكمال، ويكون هذا تبعاً لمدى تحققه صورة المفرد من نواحي الكمال المطلوبة في صورة الإنسانية الكاملة. وسنرى كيف يمكن أن يتم التوازن بين حس الإنسان وعقله وخلقه في هذه الصورة العالية التي نكتشفها. وسنرى هل يتم هذا التوازن إذا كان للإنسان من حسه ومن عقله ومن خلقه مقادير متساوية، أو أن هذا التوازن يمكن أن يتم باختلاف في مقاديرها لدسم في بعضها وخفة في بعضها أو لضرورة تستوجب بعضها ولجواز يمكن به الاستغناء عن بعضها في بعض الأحيان.
سنختلف.
فقد اختلف الناس في هذا منذ أحسوا، ومنذ عقلوا، ومنذ كانت لهم أخلاق، وسيظلون مختلفين في هذا إلى أن يشاء الله فيكونوا أمة واحدة، وهم الآن أمم. ولكل أمة منهم مثل، وكل أمة منهم تنزع إلى تحقيق مثلها جادة حيناً ومتكئة حيناً، ومتناومة في اغلب الأحيان.
فإذا سألني سائل عن أمتي، ومثلي الذي أنزع إليه مؤمناً به، فأنا من أمة محمد. الفن عندي ما يحقق المثل الأعلى الذي رسمه محمد بدينه للحياة، والعلم عندي هو ما يحقق هذا المثل، والخلق عندي ما يتفق وروح الإسلام.
ولست أقهر إنساناً على أن يدخل في أمتي، ولا على أن يتدله بمثلي الأعلى، ولكني أقولها بعد تأمل أعتقد أنه قد يكفي متعجلاً مثل من أبناء هذا العصر العجول. . . كلمة فيها من القدم رزانة الشيخوخة ومن الأبدية عنفوان الشباب، وهي أن المثل الأعلى الذي رسمه الإسلام للإنسان والصورة النقية التي رسمها للإنسانية هما صورة أرقى حي في أرقى صورة للحياة، فما كان عبثاً ما قال الله من أن محمداً هو خاتم النبيين والمرسلين، وأن الإسلام هو ختام الأديان. ونحن إذا أنعمنا النظر في الإسلام رأيناه يشمل كل الأديان الساعية إلى الله، وأنه يبرئ الله مما ألحقه به الناس من الباطل والزيف، وإذا صدق هذا اصدق معه أن أسمى المثل الإنسانية العليا ليس إلا بعض المثل الإسلامي الأعلى، وعلى هذا الأساس يمكننا أن نجعل الإسلام حكماً على أعمال الإنسان الروحية كلها سواء منها الحسية والعقلية والخلقية، فإذا لم يرض بعض الناس عن الإسلام حكماً فلهم أمثلتهم العليا يحكمونها كما يشاءون فيما يشاءون فكل ما يملكه عاجز ضعيف مثلي في مقام كهذا هو أن يقول لهم: قبل أن تستبعدوا الإسلام تدبروه.