ونزولاً على مشيئة محدثي أكتم اسمه وأكتفي بنقل خلاصة أمينة لما قال:
- لا جدال أن النقد في مصر قد خفت صوته، ولذلك أسباب لا مجال للخوض فيها الآن. . . ومن الخير للأدب أن يعود النقد إلى سابق عهده فتروج الكتب والمجلات. وقد يسعف الحظ بعض الأدباء الناشئين فتلمع أسماؤهم في سماء الأدب وتقوم شهرتهم على جثث ضحاياهم، وهذه سنة الحياة. . . أما الدكتور زكي مبارك فلم أعرف أديباً أشد اندفاعاً منه في ميدان النقد، فكأنه مفطور عليه يموت إن لم يتغذ به. إنه حركة دائمة؛ وإن هو لم يجد من ينقد مال على نفسه ينقدها. ولست أشك في إخلاصه لفنه، إلا إنني أعيب عليه ميلاً قد يكون مكتسباً، إلى حمل خصومه على مناقشته في مواضيع دقيقة وحساسة في شرقنا العربي. أضرب مثلاً على ذلك اتهامه الأستاذ أحمد أمين بشيء من الفتور في دينه، وإلصاقه به تحيزاً ضد الشام والعراق وغيرهما من الأقطار العربية.
على أن أسباب المعركة القائمة الآن بينه وبين أحمد أمين، أو بين (الرسالة) و (الثقافة) ليست ناتجة - فيما أظن - عن الأخطاء التي ارتكبها أحمد أمين في بحثه عن جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي، بل يرجح عندي أن هذه الأخطاء كانت فرصة اغتنمها الدكتور لشن الغارة على أحمد أمين. أما الأسباب الحقيقية فترجع إلى المناوشات التي قامت في وقت ما بين الزيات وأحمد أمين من أجل الكتب التي قررت وزارة المعارف وضعها بين أيدي التلاميذ، ولم يكن بينها كتب الزيات. فاحتج صاحب (الرسالة) على هذا الاحتكار، واتهم أحمد أمين بكونه لولبه. وكان أحمد أمين صريحاً، فاعترف بأنه لم يوافق على إدخال مؤلفات الزيات في قائمة الكتب المقررة لأن فيها ما يؤذي الأخلاق. . .
واستمر هذا الخصام بين الزيات وأحمد أمين تارة مستتراً، وتارة ظاهراً، حتى ظهرت (الثقافة) وكان هدفها الأول محاربة (الرسالة). وفي الواقع من هم قراء الأدب في مصر؟ هم طلبة الجامعة في أكثريتهم، فلماذا لا تستغلهم لجنة التأليف والترجمة والنشر بمجلة توجه أبحاثها إليهم بعد أن استغلتهم بالكتب؟ وأكثر أعضاء هذه اللجنة من أساتذة الجامعة، فصدرت (الثقافة) يؤيدها خصوم الزيات من طه حسين، إلى محمد عبد الله عنان، إلى أحمد أمين، إلى غيرهم ممن أغضبهم الزيات لسبب من الأسباب في وقت من الأوقات. وهذه نوازع بشرية لا غرابة فيها، وإنما الغرابة أن يستطيع أحمد أمين الانتقام من الزيات ولا