امتاز الإسلام من بين سائر الديانات بمزية جميلة جداً، هي رفع الوساطة بين الله والناس، فلكل مسلم الحق في أن ينظر إلى الله والوجود كيف شاء في حدود المنطق والعقل، ومن حقه أن يخاطب الله بلا وسيط من الأشياخ أو الأحبار أو الرهبان.
أقول هذا وقد قرأت في (الرسالة) كلمة يقول كاتبها إن من حقي أن أتتكلم في الأدب لأني دكتور في الآداب، وليس من حقي أن أتكلم في الدين لأني لست دكتوراً في الدين.
وهذا الكلام يدل على أن قائله بعيد عن فهم الغرض من الرسالة الإسلامية. فالرسول عليه الصلاة والسلام بُعث لرفع الكلفة بين الناس وبين خالقهم، بعد أن كانوا يتوهمون أن بينهم وبينه حجاباً لا يرفعه غير الأحبار والرهبان.
ولو أني انتظرت الإذن من رجال الدين لكان من المحتوم أن تضيع الجهود التي بذلتها في الدراسات الإسلامية، وهي جهود سألقى بها الله وأنا مرفوع الرأس، لأنه عز شأنه لا يضيع أجر المحسنين.
والذين استكثروا أن أتكلم في الدين فاتهم أني صححت أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي حين بينت بالأدلة والبراهين أن كتاب (الأم) لم يؤلفه الشافعي، وإنما ألفه البويطي المصري، وتصرف فيه الربيع بن سليمان.
وهم كذلك ينسون أني صاحب كتاب (التصوف الإسلامي) وهو كتاب سأدخل به الجنة وسأدخل معي على حسابه ألوفاً من الأدباء المحرومين، كما أوحى الله إلى الزيات أن يقول، وهو رجل صادق الإيمان، ورجاؤه في الله مقبول.
والحق أني أعجب من الذين يصرون على التشكيك في عقيدتي. فلو كانت قلوب هؤلاء عرفت معاني النور لعرفوا أن في مؤلفاتي نفحات هي أنفاس حرار من وهج الإيمان الصحيح.
وما يهمني أن أزكي نفسي، فالله يعلم ما بينه وبيني، وإنما يهمني أن يقلع بعض الناس عن