(إنني لا أستطيع أن أسلم بضرورة معرفة اللاتينية لدرس الحقوق الرومانية بل أقول بإمكان درس هذه الحقوق بأساليب جديدة غير التي تعودناها إلى الآن، كما أعتقد بأنه لم يبق لهذه الحقوق من فائدة سوى متعتها التاريخية. فلست متأكداً من أن الاستعاضة عن دراسة الحقوق الرومانية بدراسة الشرائع المعاصرة، لا يكون أشد موافقة وأكثر ملاءمة لمقتضيات الثقافة الحقوقية العصرية)
(هذا، وإني سأذهب إلى أبعد من ذلك وسأزيد على قولي قولاً آخر - مع علمي بأن القول سيعتبر في نظر البعض من ضروب الكفر والإلحاد - فأقول بدون تردد: إن سيطرة الحقوق الرومانية على الفكر الفرنسي المعاصر، لا تخلو من مضار. . . فإننا إذا شاهدنا محافلنا البرلمانية تسترسل في المناقشات البيزنطية إلى الحد الذي نعرفه، يجب أن نعلم أن مصدر ذلك إنما هي الأساليب الرومانية التي تعودناها في تفهم وتصور المناقشات الحقوقية)
غير أن هذه الحجج القوية وأمثالها من التصريحات، لم تتمكن من زعزعة الاعتقادات القديمة كلها من أذهان جميع أعضاء اللجنة البرلمانية، ولذلك أيدت اللجنة - بأكثرية صوت واحد - النظام المتبع في اشتراط معرفة اللاتينية للدراسة الحقوقية. غير أن ضآلة الأكثرية التي أقرّت ذلك كانت دليلاً واضحاً على أن الحل المذكور لم يكن من الحلول التي تطمئن إليها الأفكار، وتستقر عندها الأمور. بل كان من الحلول المؤقتة التي تؤجل النتيجة النهائية، دون أن تضع حداً حاسماً للاختلافات. فكان من الطبيعي ألا تقف الأمور عند هذا الحد، فتستمر المناقشات إلى أن يتقرر (مبدأ المساواة) بين الثقافتين الكلاسيكية والعصرية
وهذا ما حدث فعلاً، فإن مناهج الدراسة التي وضعت بعد التحقيق البرلماني الآنف الذكر، حاولت أن توجد حلولاً متوسطة لكثير من المشاكل فأوجدت مثلاً نوعاً جديداً من الدراسة الثانوية، يحتفظ باللغة اللاتينية، ويضحي باليونانية لتعوضها بالعلوم أو اللغات الحية. ولا شك في أن هذا النوع كان يشغل موقعاً متوسطاً بين (الكلاسيكية القحة) التي تتمسك باللغتين القديمتين في وقت واحد و (العصرية البحتة) التي تستغني عن هاتين اللغتين مرة واحدة. . .