بتكوين الأرستقراطية الفكرية؛ بل اعتقدنا بإمكان (إنسانيات عصرية)، مستقلة عن اللغات القديمة، اعتقدنا بأننا نستطيع أن نعطي نوعاً من الثقافة العامة، تختلف عن الثقافة الكلاسيكية، دون أن تكون أقل سمواً منها. . . فإن الدراسات الكلاسيكية بطبيعتها (كلامية) فلا تسد حاجات عصرنا هذا، ومطالبه الفكرية والأدبية والاجتماعية. . . إن العالم قد تبدل تبدلاً أساسياً منذ عشرين قرناً؛ فالثقافة الكلاسيكية التي توارثت مكتسبات الحضارات القديمة وقيمتها، أصبحت بعيدة عن ملاءمة الحضارة الحالية. . .)
ثم جابه مخاطبيه بالسؤال التالي:(أيها السادة، لنستنطق أنفسنا بكل صراحة؛ من منا يستطيع أن يقول بأنه تذوق ما في مآسي (سوفو كليس) أو محاورات أفلاطون، من جمال فني، على طريف قراءة نصوصها الأصلية. . . إذا لم يكن قد أولع باللغات القديمة ولعاً شخصياً، فتعمق في دراستها بعد الانتهاء من الدراسة الكلاسيكية؟ أما أنا فأعترف - من جهتي - بكل إخلاص - بأنني لم أفهم عظمة (أوديب الملك) إلا في الكوميدي فرانسيز. . . مع أنني كنت من المبرزين في دروس اللغات القديمة وآدابها. . .)
وأما (أرتست لاويس) - الذي يعد من أشهر كتاب التاريخ في فرنسا، والذي ظل مديراً لدار المعلمين العالية مدة طويلة - فقد اعترف خلال تصريحاته بأنه كان مرتاباً في نجاح تجربة الدراسة العصرية - عند إحداثها - غير أنه تخلص من هذا الريب، بعد أن رأى النتائج الفعلية، فأصبح يعتقد بأن قيمة الثقافة التي تكتسب خلال مثل هذه الدراسة، لا تقل - بوجه من الوجوه - عن قيمة الثقافة التي تكتسب من الدراسة الكلاسيكية. وزيادة على ذلك فند الرأي القائل بضرورة اللاتينية لإجادة الفرنسية؛ وصرح باعتقاده الجازم في مساواة قيمة الثقافتين؛ وقال بأن (الحجج التي تذكر لتبرير إيصاد أبواب كليتي الحقوق والطب أمام خريجي الدراسة العصرية، ما هي إلا من قبيل الأوهام الباطلة التي لا تستند إلى تجربة وتفكير) وأظهر استعداده لمناقشة القضية، عند الاقتضاء.
وأما (بوانكاريه) الذي كان من كبار رجال الفكر والحقوق، والذي قام بأعباء وزارة المعارف، وتدرج بعد ذلك إلى رياسة الوزراء فرياسة الجمهورية - فهو أيضاً قد دافع عن الدراسة العصرية من وجهة قيمتها الثقافية دفاعاً حاراً؛ وردّ على آراء القائلين بضرورة اللاتينية للدراسات الحقوقية رداً عنيفاً: