للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وطبنا معاً شعراً وثغراً كأنما ... له منطقي ثغر، ولي ثغره شِعر

وقد توجُّع ابن خفاجة لضياع الشباب أشد التوجع ورأى في ملاحة الطبيعة عزاء عما ضاع من سماحة الملاح، فقال:

وكل امرئ طاشت به غرة الصِّبا ... إذا ما تحلى بالمشيب تحلَّما

فها أنا ألقي كل ليل بليلَةٍ ... من الهم يستجري من الدمع أنجما

وأركب أرداف الرُّبا متأسفاً ... فأنشق أنفاس الصبا متنسِّما

وأرشف نثر الطل من كل وردةٍ ... مكان بياض الثغر من حوَّة اللًّمى

وهو بهذه الأبيات يجعل الجمال الإنساني أجمل ما في الطبيعة من ألوان، وهي نظرة سليمة لا ينكرها غير الذين يرون الشجرة والزهرة أصلاً لكل جَمال

وكان ابن خفاجة في أيام توجعه على صباه يتمنى لو يعرف مصير النفس بعد الموت، كأن يقول في رثاء بعض الأصدقاء:

كنا اصطحبنا والتشاكلُ نسبةٌ ... حتى كأنا عاتقٌ ونجادُ

ثم افترقنا لا لعودة صحبة ... حتى كأنا شعلة وزناد

يا أيها النائي ولست بمسمع ... سَكَن القبور وبيننا أسداد

ما تفعل النفس النفيسة عندما ... تتهاجر الأرواح والأجساد

كُشِف الغطاء إليك عن سر الردى ... فأجبْ بما تندى به الأكباد

وهي لفتةُ فلسفية لاذ بها شاعرنا شوقي في أكثر قصائد الرثاء

أما بعد فقد كنا نحب أن نذكر شواهد من نثر ابن خفاجة تمثَل هُيامه بالطبيعة والوجود، ولكنا رأينا الدكتور ضيف سبقنا إلى ذلك في كتابه (بلاغة العرب في الأندلس) ونحن نبغض الحديث المعاد

وما الذي يوجب أن نلحّ في شرح مذهب ابن خفاجة وهو معروف لجميع الناس؟ لقد أردنا أن ننتهز الفرصة فنمتع أنفسنا بالنظر في ديوان ابن خفاجة من جديد، ونذكر به الشبان الذين شغلتهم عنه ملاهي العصر الحديث

ويدعوني الواجب في ختام هذا المقال إلى الثناء على أديبين فاضلين يهتمان بديوان ابن خفاجة ويعدان له دراسة أدبية تحفظ مكانه في التاريخ. أما الأديب الأول فهو عزيز عبد

<<  <  ج:
ص:  >  >>