تنهلُّ مزنة دمعتي ... فيه ويندَى نور ذكركْ
أتبعتُ فيه وقد بك ... يت عقيق خدك دُرَّ ثغرك
وشرِقتُ فيك بعبرةٍ ... قد ورَّدتها نار هجرك
فكأنما ينفضّ عن ... حَبَبٍ لها رمان صدرك
ولَرُبَّ ليل قد صد ... عْت ظلامه بجبين بدرك
ولهوتُ فيه بدُرَّةٍ ... مكنونةٍ في حُقِّ خِدرك
تَنْدى شقائق وجنت ... يك به وتَنْفَحُ ريح نَشرك
وقد استدار بصفحتْي ... سوسانِ جيدك طَلَّ درَّك
حيث الحبابة دمعةٌ ... تجري بوجنة كأس خمرك
وتهزُّ منك فتنثني ... بقضيب قدِّك ريح سكرك
وهو في هذه القصيدة يخلع محاسن الطبيعة على الملاح، وقد يخلع محاسن الملاح على الطبيعة فيقول:
وكمامة حدر الصباح قناعها ... عن صفحة تندى من الأزهار
في أبطحٍ رضعت ثغور أقاحهِ ... أخلاف كل غمامةٍ مدرارِ
نثرتْ بحجر الأرض فيه يد الصَّبا ... دُرر الندى ودراهم النُّوار
وقد ارتدى غصن النقا وتقلدت ... حَلْىَ السحاب سوالف الأنهار
فحللت حيث الماء صفحة ضاحك ... جَذِل وحيث الشط بدء عذار
والريح تَنفُض بكرة لِممَ الرُّبا ... والطَلُّ ينضحُ أوجه الأشجار
وأراكةٍ سجع الهديل بفرعها ... والصبحُ يسفر عن جبين نهار
هزَّت له أعطافها ولربما=خلعتْ عليه مُلاءة الأنوار
وهذا واللُّه أنفس ما قيل في اتصال الأحاسيس بغرائب الوجود وأشعار ابن خفاجه تشهد بأنه كان يحتفل بالمعاني كل الاحتفال وكان يرى شعره نفحة من نفحات الجمال، كأنْ يقول:
تعلقته نشوان من خمر ريقهِ=له رشفها دوني ولي دونه السكر
نرقرق ماء ووجهه ... ويُذْكى على قلبي ووجنته الجمر