على حين شطَّتْ بالحبائب نيَّةٌ ... وحالتْ فياف بيننا وبلاد
ومن مزايا ابن خفاجة أنه يتمثل الطبيعة في حركة وحياة، فيراها ترضى وتغضب،
وتضحك وتعبس، كأن يقول:
عاط أخلاّءك المداما ... واستسق للأيكة الغماما
وراقص الغصن وهو رطبٌ ... يقْطرُ أو طارح الحماما
وقد تهادى بها نسيمٌ ... حيَّتْ سليمى بها سلاما
فتلك أفنانها نشاوى ... تشرب أكوابها قياما
وكأن يقول:
ألقي العصا في حيث يعثُر بالحصى ... نهرٌ وتعبث بالغصون شمالُ
وكأن ما بين الغصون تنازُعٌ ... فيه وما بين المياه جدالُ
وكأن يقول:
أخذ الربيع عليه كل ثنيةٍ ... فبكل مرقبةٍ لواءٌ شقيق
فهو في هذه الأشعار يمنح الطبيعة من الحياة والحركة ما يماثل شمائل الأحياء
وأريد أن أقول إن الطبيعة في نفس ابن خفاجة لها عزيمة وإرادة وقدرة وعبقرية، فهي تصنع ما تصنع عن نظرٍ ثاقب وقلبٍ مشبوب، هي نفس حساسة، تشعر وتُدرك، وتُفيض البؤس والنعيم على الأحياء بإرادة وعزم وإحساس
وقد وقع في كلام الشعراء ما يشابه هذه المعاني، ولكن ابن خفاجة أكثر منها إكثاراً مّيزه بالتفوق والتفرد، فهو أوحد الناس في بابه بلا جدال
وكان ابن خفاجة يُقسم بما في الطبيعة من أنهار ورياض وأزهار وأنداء ومباسم وعيون، فيقول:
أَما والتفات الروض من أزرق النهر ... وإشراق جيد الغصن في حِلْية الدهر
وقد نَسَمتْ ريح النعامى فتنبَّهتْ ... عيون الندامى تحت ريحانة الفجر
وهي قصيدة طويلة امتزجت فيها نفس الشاعر بأسرار الطبيعة أشدَّ امتزاج
والطبيعة تواجه ابن خفاجة حيثما تلفَّت، فهو يراها في كل مكان، وانظر كيف يقول:
يا رُبَّ ليلٍ بِتُّهُ ... وكأنه من وَحفِ شَعرك