ثم ارتحلتُ وللسماء ذؤابةٌ ... شهباء تخضب والظلام خضابُ
تلوي معاطفي الصبابة والصبا ... والليل دون الكاشحين حجابُ
حيث استقل الجسر فوق زوارق ... نسقت كما تتواكب الأحبابُ
فهل فكر صديقنا أحمد أمين في وصف السباحة وقد سبقه إليها ابن خفاجة بنحو تسعة قرون؟
إن الذي عجز عن وصف الطبيعة هو الذي يصطاف بالإسكندرية كل سنة ولم يفتح الله عليه بغير القول بأنه جلس على صخرة المكس ليأكل السمك المياس، وليفكر في مصير الشمس بعد الغروب، وليقول إنه تحاور مع هيان بن بيان!!
يقول أحمد أمين إن أبن خفاجة لم يتذوق الطبيعة، فهل استمع إليه حين يقول:
ربما استضحك الحَباب حبيبٌ ... نفضت ثوبها عليه المدامُ
كلما مرَّ قاصراً من خُطاه ... يتهادى كما يمرّ الغمامُ
سلم الغصن والكثيب علينا ... فعلى الغصن والكثيب سلامُ
وهل أستمع إليه حين يقول:
أبى البرق إلا أن يحن فؤاد ... ويكحل أجفان المحب سهاد
فبت ولي من قانئ الدمع قهوة ... تدار، ومن إحدى يدي وساد
تنوح لي الورقاء وهي خلية ... وينهل دمع المزن وهو جماد
وليلٍ كما مدَّ الغراب جناحه ... وسال على وجه السجل مداد
به من وميض البرق والليل فحمة ... شرارٌ ترامى والغمام زناد
سريتُ به أُحييه لا حْية السُّرى ... تموت ولا ميْتُ الصباح يعاد
يقلب مني العزم إنسان مُقلةٍ ... لها الأفق جفنٌ والظلام سواد
بخرقٍ لقلب البرق خفقة روعة ... به ولجفن النجم فيه سهاد
سحيقٌ ولا غير الرياح ركائبٌ ... هناك ولا غير الغمام مزاد
كأني وأحشاء البلاد تجنني ... سريرةُ حبّ والظلام فؤاد
ولما تفرَّى من دجى الليل طحلبٌ ... وأعرض من ماء الصباح ثماد
حننت وقد ناح الحمام صبابةً ... وشُقَّ من الليل البهيم حداد