تنحصر في هذه الحواس الخمس وفي ذلك الشعور الباطن بالجمال الذي نملكه، وفي تلك الأفكار التي تحتوي نماذج خاصة نقيس عليها كل جمال نراه، فيمكننا أن نقول: إن القطعة الأدبية تدخل علينا السرور عن طريقين كبيرين: أحدهما عن طريق العين والمرئيات فهي ترسم لنا صورة بارزة وأخيلة قوية ناطقة، وثانيهما عن طريق الأذن بواسطة السحر الموسيقي. فانسجام القطعة الأدبية يعرضها لنقدنا فوق كل شيء عن طريق البصر والسمع، ثم عن طريق قوة العاطفة والفكرة. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نضع قواعد بسيطة للنقد الأدبي
أولاها اختيار اللفظ الذي يحسن أداء المعنى المقصود. يقولون عن الشاعر أو الناثر المُجيد إنه لو اْنتُزع لفظ من كلامه لما أمكن وضع بديل منه يؤدي نفس المعنى في نفس المكان؛ ونتبين مقدرة الكاتب من هذا الاختيار للفظ الذي لا يمكن العبث به ولا التبديل فيه. ومن هنا نتبين قوة أسلوب الكاتب ومرونة ذلك الأسلوب ليفي بالغرض المطلوب منه في كل قطعة على اختلافها، ولتأدية الأغراض المختلفة في القطعة الأدبية
يلي ذلك اختيار الكلمات وتنسيقها تنسيقاً موسيقياً، أو كما يرتب الرسام ألوانه ليخرج لنا الصورة الفنية. ولننظر في قوله تعالى:(اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً) فنرى الانسجام اللفظي البديع الذي لا يتأتى تنسيق سواه أن يرتفع إليه. فقوله (أكملت) تراه يتردد في لفظ (أتممت) وفي لفظ (الرضى) الإلهي، كما يتردد النغم الطيب، فهذا إكمال الدين من جانب البشر، يقابله (إتمام) النعمة من جانب اللُّه، وينتج عنه الرضاء. ثم انظر إلى لفظ (الدين) في الأول و (الدين) في الآخر، ولفظ نعمة في الوسط وهي ترادف آخر للفظ (الدين). ولست أجد أبدع في ترتيب اللفظ من آي القرآن
أما الناحية الثالثة فهي الوزن والقافية في الشعر. وليست أدرى لماذا أريد أن نتحرر من هذه القوافي التي تتحكم في أخيلتنا بلا مبرر والتي تلزم الشاعر ترتيباً من الأفكار قد يختل فيه الانسجام، ويضيع عنده الجمال. ولست أدري ما الذي يحول بيننا وبين أن نخرج على هذه البحور (الأثرية) التي قيدنا بها الخليل بن أحمد. ولست أدري لماذا نظل في الموسيقى الفردية ولا نخرج منها إلى الموسيقى الإجماعية التي يتكون فيها الجمال الفني من تضافر أنغام مختلفة لآلات كثيرة تساهم كل منها بنصيبها في تكوين القطعة. وليس من شك في أن