للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فهمي باشا حين عرضت عليه رياستها عملاً باقتراح ممثلي إنجلترا وفرنسا اللذين صار لهما الآن حق إسناد الوزارة إلى من يرضيان عنهم في مصر.

وصرح الوزراء على الرغم من استقالة رئيسهم أنهم هم لا يستقيلون إلا إذا كان ذلك بأمر من مجلس النواب، وهنا يعود عرابي فيثب إلى الطليعة، وقد ضاق البارودي بالأمر ذرعاً؛ فهو الذي أوحى إلى الوزراء بما فعلوا، وقد عز عليه أن يبعد الوزراء عن مناصبهم بمشيئة غير مشيئة الأمة، وتلك خطوة أخرى نضيفها في غبطة وفخر إلى سالف خطواته.

ووقف عرابي في مكانه لا يتزعزع وما كان أصلبه وأشد مراسه إذا وقف في أمر في أمر يرى أنه الحق؛ ولقد صور المبطلون وقفته هذه أنها عودة إلى الثورة المسلحة وأنه يوشك أن يفاجئ البلاد بيوم آخر كيوم عابدين، فما حفل كلامهم ولا خشي تهديدهم؛ وكتبت الحكومات إلى ممثليها في مصر أن (يرسلوا إلى عرابي فيبلغوه أنه إذا أصاب النظام خلل فسوف يجد أوربا وتركيا كما يجد إنجلترا وفرنسا ضده، وأنهم يحملونه تبعة ذلك)

وأصر ذلك الفلاح الذي لولا ما هيأته الأقدار لكان يومئذ يجيل فأسه في حقل من حقول هرية رزنة ولا يدري من أمر الحكم والسلطان شيئاً؛ وظل على عناده يكشف عن طيب عنصره وكرم معدنه فيفهم من يريد أن يفهم أن ذلك الفلاح الذي يجيل الفأس في صبر وصمت في أنحاء هذا الوادي لا ينقصه إلا العلم والحرية ليبهر العالم بعبقريته وبطولته. . .

وصرح سلطان وقد أخذ يكيد للبارودي وعرابي معاً (أنه ليس من الممكن تغيير الوزارة ما دامت القوة الحربية مجتمعة في عرابي باشا) ولم يك يبدر سلطان أن وراء تلك القوة الحربية قوة أخرى لولاها ما قام غيرها. لم يك يدري سلطان باشا أن هذه القوة الحربية التي يشير إليها كانت قائمة في مصر من قبل فما ظهر أثرها إلا في يد عرابي وأنه بذلك يمتاز عن غيره من الرجال

وانتهت الأزمة بأن أشار ممثلاً إنجلترا وفرنسا على الخديو بأن يطرح المسائل الشخصية جانباً، وبما أن سموه لم يستطع أن يقيم وزارة جديدة فإنهم يطلبون إليه أن يجدد علاقته بالوزارة القائمة)

وبقيت الوزارة في كراسيها وانتصرت كلمة الأمة من جديد على يد ذلك الذي خرج من

<<  <  ج:
ص:  >  >>