هذا ولا أراني في حاجة إلى إيضاح أنني لا اقصد من هذه المعارضة أن أعترض على كل من يود أن يتعلم اليونانية واللاتينية بل بعكس ذلك أتمنى أن يظهر بيننا من يولع باليونانية ويتخصص في آدابها ويسعى لترجمة مخلداتها؛ كما أتمنى أن يظهر من يتعلم اللاتينية ومن يتعلم الروسية وحتى من يتعلم اليابانية، ليتسنى لنا الاستفادة من نتاج تفكير جميع الأمم على اختلاف ثقافاتها. . غير أن إبداء التمني لظهور بعض الاختصاصيين من أبناء العرب في الآداب اللاتينية واليونانية شي واعتبار تعلم هاتين اللغتين من ضرورات الدراسة العالية قي الحقوق والتاريخ والجغرافيا شي أخر. . .
فأقول لذلك: أننا إذا أدخلنا اللاتينية واليونانية إلى مدارسنا الثانوية يكون مثلنا كمثل الخياط الغبي الذي تناقلت قصته بعض الأقلام: بذل الخياط المذكور جهوداً كبيرة في خياطة (بنطلون) لبحار إنكليزي شبيهاً (ببنطلونه) القديم الذي كان سلمة إياه. وأتقن الخياطة إلى درجة تقليد الترقيع الذي به أيضاً!
بعد أن شرحت رأيي في مسألة تعليم اللاتينية واليونانية شرحاً عاماً أرجع إلى آراء الدكتور طه حسين فيها، وأبين ما أعتقده في هذه الآراء على ضوء المعلومات التي سردتها:
إن أول ما يلفت الأنظار في ملاحظات الدكتور في هذا الباب، هو خلوها من الأدلة والبراهين، وتكونها من سلسلة دعاوى معروضة على شكل نصوص قاطعة يجب الاعتماد عليها بدون طلب برهان. كأن لسان حاله يقول على الدوام:(آمنت أنا، فعليكم أن تؤمنوا أنتم أيضاً)
فأنه عندما يذكر إيمانه العميق بضرورة اللاتينية واليونانية للثقافة المصرية يقول:(والأدلة على ذلك تظهر لي يسيرة هينة وجلية واضحة)(ص٢٨١) ولكنه لا يذكر شيئاً عن تلك الأدلة. فكل ما يكتبه بعد العبارة المذكورة لا يخرج عن نطاق بيان (جهل) معارضيه و (نقص دراساتهم) و (عدم إتقانهم الشؤون الثقافية في أوربا) و (عدم نظرهم إلى التعليم نظر التعمق والجد. . .) وما أشبه ذلك من تعبيرات التجهيل والازدراء
إنه عندما يتطرق إلى مسألة (تأثير هاتين اللغتين في تكوين العقل) تلك المسألة الهامة التي تكون حجر الزاوية في دعاوى أنصار اللغات القديمة لا يكلف نفسه مشقة شرح المسألة،