(ج) إن تعليم اللغات الأوربية الحية يتطلب من الناطقين بالضاد جهوداً أكبر من الجهود التي يتطلبها من سائر الطلاب الأوربيين؛ وذلك لاختلاف الحروف من جهة وتباعد الأصول والقواعد والأساليب من جهة أخرى
ولهذه الأسباب إذا جاز للأوربيين أن يسرقوا قسما من أوقات بعض أبنائهم في سبيل تعليم اللغة اللاتينية - بأمل الحصول على بعض الفوائد ولو كانت ضئيلة - فلا يجوز لنا نحن أن نقتدي بهم في هذا الباب
وإذا جاز للأوربيين أن يخيروا أولادهم بين دراسة اللغات الميتة ودراسة اللغات الحية، فلا يجوز لنا نحن أن نفكر في مثل هذا التخيير
إذاً يجب علينا أن نتذكر دائماً أننا في حاجة قصوى للاقتصاد في أوقات طلابنا وجهودهم لكثرة الأشياء التي يحتاجون إلى تعلمها ولزيادة الأوقات التي يحتاجون إليها لأجل هذا التعليم
هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب علينا أن نفكر في أمر أخر أهم من ذلك أيضاً: هذا الأمر هو ضرورة الاهتمام بمعالجة النزعة الكلامية على أفكارنا. . . إننا كثيراً ما نهتم بالألفاظ اهتماماً كبيراً، وقلما نسعى لتحديد معانيها تحديداً كافياً. . . وكثيراً ما ننخدع بالكلمات الفارغة، ونترك مجالاً واسعاً لتغلب الكلاميات على مناحي تفكيرنا. . فلا نغالي إذا قلنا بأننا مصابون - على الأكثر - بداء الكلاميات. . . إن أوربا أيضاً كانت مبتلاة بمثل هذا الداء؛ وقد صرف مفكروها ومربوها جهوداً عظيمة لمحاربة هذه النزاعات الكلامية، وتغليب روح التفكير الحقيقي ونزعة البحث العلمي عليها. . . ونحن الآن في حاجة شديدة إلى الاقتداء بهؤلاء في هذا المضمار. وأعتقد أن هذه الحقيقة يجب أن تبقى نصب أعيننا على الدوام عندما نفكر في وسائل ترقية ثقافتنا. . .
إنني أعتبر فكرة إدخال اللاتينية واليونانية في مناهج الدراسة الثانوية من الأفكار الخاطئة والمضرة من هذه الوجهة أيضاً لأنها تؤدي - بطبيعتها - إلى زيادة حصص اللغات في دراساتنا زيادة كبيرة، وذلك يزيدنا استغراقاً في الكلاميات ويبعدنا عن مناحي التفكير الصحيحة. . .