للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كاليونان في جاهليتهم يحتاجون إلى تزجية أوقات الفراغ بطرائف الأسمار والأحاديث، فلم يكن بد من أن يبتدعوا ألوانا من الأقاصيص تصور أهواء الأصنام والأوثان، كما أبتدع اليونان، ألوانا من الأقاصيص تصور ما كان عند آلهتهم من نزوات وشهوات وأهواء

ولكن أين الأساطير العربية؟ أين؟ أين؟

لقد محاها الإسلام ليخلو الو للعقيدة السليمة عقيدة التوحيد. وأنا مع ذلك قادر على وضع خطوط للوثنية العربية إن سمح الزمن بأن أعيش في بلاد العرب عامين أثنين أدرس فيهما ما بقي في أذهان العرب من أساطير الأولين، ويومئذ نعرف بعض الفروق بين أحلام العرب وأوهام اليونان. فإن لم تتح هذه الفرصة فقد وجهت الأذهان إلى درس هذا الموضوع الطريف، وهو موضوع حاولت درسه منذ سنين لأقدم عنه رسالة إلى جامعة باريس تحت عنوان:

'

وقد صدني عنه رجال ثلاثة: أولهم الدكتور طه حسين وكانت حجته أن هذا البحث قد ينتهي إلى (الكفر الموبق) وثانيهم لطفي باشا السيد وكانت حجته أنه لا يحسن تعريض الجمهور لفتن جديدة، وثالثهم المسيو فيت وكانت حجته أنه لا يمكن لباحث أن يسبر أغوار هذا البحث إلا بعد أن يقيم في بلاد العرب بضع سنين

ولو أن المقادير كانت سمحت بالمضي في هذا البحث (وكنت شرعت فيه سنة ١٩٢٧) لكان من المستحيل أن أعجز عن تقديم صورة من الوثنية العربية أقاوم بها السحر الذي تتمتع به وثنية اليونان. فهل أنتظر أن يكون بين طلبة كلية الآداب من يوجه همته إلى هذا البحث الطريف؟

هل أنتظر أن يكون فيهم من يؤرخ المدة التي غفل عنها مؤلف كتاب (فجر الإسلام)؟

إن من القراء من يذكر أني نبهت الأستاذ أحمد أمين إلى هذه النقطة بمقال نشرته في جريدة البلاغ، ومنهم من يذكر أن بعض تلاميذ الأستاذ أحمد أمين دافع عنه يوم ذاك

والمشكلة مع ذلك باقية، وقد فصلتها في كتاب النثر الفني بعبارات تعجب منها الأستاذ احمد أمين، ودهش من سكوت الجمهور عما فيها من صراحة جريئة، أشار إلى انه تلطف بالسكوت عنها يوم نقد كتاب النثر الفني في مجلة الرسالة سنة ١٩٣٤

<<  <  ج:
ص:  >  >>