للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان في تلك الوثنية من نفحات الشعر والخيال، لأن الإسلام لا يرى الخير والحق والجمال في عقيدة غير عقيدة التوحيد

وما كان ينتظر أن يصنع الإسلام غير الذي صنع، فحكمه قام على أساس الصدق في تطهير العقلية العربية من أوضاع الأساطير والأباطيل

أما أحمد أمين فموقفه مختلف كل الاختلاف، فهو يعير العرب بوثنيتهم، وهي عنده أرضية وضيعة، مع أنه لم يعرف من تلك الوثنية غير وجهها الدميم، وذلك الوجه الدميم موضع شك وارتياب، لأنه لون بأصباغ جديده خلقتها العصبية الدينية والعصبية الجنسية

وأحمد أمين ينظر إلى الوثنية اليونانية بعين الإعجاب ويراها سماوية رفيعة

ومن المؤكد أنه لا ينضر إليها تلك النظرة إلا وقد جرد نفسه من النزعة الدينية، لأن الإسلام لا يرضى عن الوثنية في أي شكل من الأشكال

فلم يبق إلا أن يكون نظر إليها من الوجهة الأدبية، وعندئذ نقول إنه على حق في الإعجاب بتلك الوثنية، لأنها وثنية حية ولأنها لونت الأخيلة والأذواق في كثير من الممالك والشعوب

ولكن تلك الوثنية ظفرت بحظ لم تظفر بمثله الوثنية العربية فقد ظفرت بالإعزاز والتبجيل على حين لم تظفر وثنية العرب بغير التحقير والتقبيح

فالجميل من الوثنية العربية تناساه المؤمنون، والقبيح من الوثنية اليونانية تناساه المشركون. وكانت النتيجة أن لم يبق من وثنية العرب غير القبح، ولم يبق من وثنية اليونان غير الجمال

قولوا الحق أيها القراء!

ألا ترون أن الأستاذ أحمد أمين يجني على المنطق وعلى التاريخ حين يستبيح ما يستبيح في تحقير الجاهلية العربية وتمجيد الجاهلية اليونانية؟

أنا أحتكم إليكم أيها القراء لتفصلوا بيني وبين هذا الزميل

إن الوثنية العربية قد انقرضت تمام الانقراض، ولن تعود مصدر خوف على العقيدة الإسلامية، فلا حرج على الرجل المسلم من القول بأن العرب في جاهليتهم كانت لهم أوهام وأضاليل قد لا تقل جمالاً عما كان عند الفرس والروم والهنود من أوهام وأضاليل

إن الأساطير تخلق لغاية معروفة هي ملء فراغ الأفئدة والعقول، وكان العرب في جاهليتهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>