المؤمن كل هذه الحور وأنه يؤتى قوه عجيبة إذ ذاك على الجماع. ولا أنكر أن يكون هذا في الجنة لأنه لذة وإن كانت لذة حسية إلا أنها لذة لها حبها والرغبة فيها. ولكن الذي أنكره وأنكره بكل قواي أن يكون هذا الأمر الثانوي هم أهل الجنة أو أن يفهم بعضهم من ذكر الوالدان الفهم السقيم الذي سبق أن ذكرناه وعارضنا فيه بعض العلماء، وأرى أن أسمى جزء في التمتع هو التمتع بالفكرة الروحية، وأن يكون المؤمنون في مقعد صدق عند مليك مقتدر ينظرون فيها إلى وجه الله الكريم وقد أشرقت في وجوههم نضرة النعيم، لهم فيها كل ما يشتهون، وأنهم كل يوم بفناء العرش يحضرون، وأنهم ينالون النظر من الله ما لا ينظرون معه إلى سائر نعيم الجنان. هذا وقد ذكر الأستاذ داود حمدان البعث والنشور، والرأي أنه سواء أخذنا بإعادة المعدوم في الكل أو جمع ما تفرق منه، فإنها إذا أعيدت في الآخرة فلا بد أن يجعلها الله تعالى في نشأة أخرى مستعدة للبقاء غير قابلة للفناء مهيأة لما تلقاه من النعيم أو العذاب، وتكون الأرواح فيها قوالب الأبدان والأبدان من جنس أرواحها كما ذكره أبن القيم، وإن جميع الإدراكات من سمع وبصر ولذة وألم لا تكون متفرقة في مواضع البدن كما هي في نشأة الدنيا بل يوصف كل جزء بأنه سميع بصير متلذذ متألم كما تقتضيه نشأته (وننشئكم فيها لا تعلمون) ومعنى (كما بدأنا أول خلق نعيده) أنا نعيد أول خلق ممثلاً للذي بدأناه؛ والتشبيه يقتضي المغايرة (كما ذكر أستاذنا المرحوم الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوى في كتابه أحكام الروح ص ٩٨) فهذا لا ينافي إعزاز اللذة الروحية. وكذلك ذكر الأستاذ جويق رؤية الله تعالى، والرأي أنه جل شأنه لا يرى ولا يحس إلا بعين مخلوقة له ومجلي لائق باستعداد الرائي كما نقله الألوسي عن بعض المحققين في تفسير قوله تعالى:(وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة) أنه إذا رفع الحجاب بينه تعالى وبينهم ينظرون إليه وينظر إليهم وجل. وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية فيرونه سبحانه لكن لا من حيث عز ذاته البحت ولا من حيث كل تجل حتى تجليه بنوره الشعاعي الذي لا يطاق، بل بتجل مطاق لهم وملائم لاستعدادهم وأن هذا الحجاب (كما ذكر أستاذنا مخلوف في أحكام الروح ص ١٠٢) غير الحجاب المشار إليه في حديث (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه (أنواره وجلاله وعظمته التي منها خر موسى صعقاً وتقطع الجبل دكاً لما تجلى عليه) كل شي أدركه بصره، فلا معنى