ولقد استطاع الباحثون باستعمال أشعة جما الراديومية أن يحصلوا على البوزيتون. وهكذا اتضح أن عملية إخراج الذرات الموجبة من المادة أصعب بكثير من إخراج الذرات السالبة، هذه الذرات الأخيرة تظهر في الأحوال العادية كجسيمات حرة، فهي التي تحدث كل الظواهر الكهربائية المعروفة بالظواهرالإلكترونية التي تعد من بينها الأشعة الكاثودية وتعد من بينها كل هذه الإلكترونات المهاجرة والسريعة التي تكون الأساس في فن الراديو حيث تعد هجرة الإلكترونات في الفراغ من سلك (الأمبول) حتى (الأنود) العمل الأساسي في نجاح هذا الفن
على أن معرفة هذه الحالة الذرية للكهرباء التي ابتدأت بمعرفة الإلكترون وانتهت بمعرفة شقيقه (البوزيتون) وفصلهما عن المادة وقياس كتلة كل منهما، كل هذا صحح في الأذهان الصورة الحقيقية التي عليها ظاهرة الكهرباء، وبعد أن كانت التيارات الكاثودية معتبرة عند العلماء حالة خاصة لظاهرة الكهرباء، فهم الباحثون أن الهجرة الحرة للجسيمات الكهربائية هي الحالة العامة الطبيعية، فالإلكترون مهاجر حر يسافر في كل مكان وفي أي اتجاه بسرعة كبيرة تعادل سرعة الضوء، وما المادة عندما تجري الكهرباء فيها إلا وسط مقاوم لطبيعتها الحرة، وسواء اعتبرنا (الأمبول) للفرغة مكاناً تسبح فيه الكهرباء أو اعتبرنا الأسلاك النحاسية مكاناً تروح وتغدو فيه، فالكهرباء في الحالتين ظاهرة واحدة. . . الكهرباء شخصيات مهاجرة وعوالم متنقلة، وليس ثمة فارق بين هجرتها في الأنابيب المفرغة وهجرتها في الأسلاك إلا أنها في الأخيرة تعمل لها طريقاً بين ذرات المادة المتراصة في هذا السبيل ما نسميه المقاومة الكهربائية
عندما تحادث من القاهرة صديقاً لك بالإسكندرية وتستمر المحادثة بينكما ست دقائق في المساء كما هو المعتاد، فإن كل لفظة تسمعها تُترجم في الواقع من بلايين البلايين من الشخصيات المهاجرة في السلك النحاسي الذي مدّه العمال بين العاصمتين. عندما تقول لصديقك في التلفون (كيف حالك) فقد حدث في هذه اللحظة من جراء صوتك بضع مئات الآلاف من الذبذبات التي تمثل صوتك والتي يمكن تسجيلها والتي كان لها أثر على التيار الكهربائي بينكما، وفي كل حرف نطقت به وقعت حرب عوان لا تقارن بها مواقع