السندات وسيلة سهلة مدهشة لاختلاس عشرات بل مئات الملايين. بيد أنه حرص بادئ بدء أن يتمتع مصرفه الجديد بسمعة حسنة؛ واستطاع أن يجعل منه مؤسسة ناجحة متسعة العمل. ثم عمد بعد ذلك إلى إصدار السندات تغطية لاعتمادات يريد البنك تحقيقها، ويسدد قيمتها متى حلت آجالها، فأخذ يصدر منها الملايين ثم عشرات الملايين ثم مئاتها؛ وكان اختلاس هذه الأموال الطائلة يجري بالصورة الآتية: يصدر البنك سندات قيمتها عشرة ملايين مثلا، ثم يعرضها في السوق المالية للقطع، فتشتريها إحدى شركات التأمين بقطع مرغب جدا (٥ في الماية مثلا) لكي تقبض قيمتها متى حل أجل استهلاكها وتستفيد بذلك من القطع ثم من الأرباح. وقد بذل ستافسكي لترويج هذه السندات جهودا مدهشة، واستعان في ذلك بالجهات الرسمية وبالدعوة الصحفية. ومن الغريب أنه استطاع بواسطة النائب جارا عمدة بايون، أن يستصدر من وزير المالية ووزير التجارة منشورا وجه إلى شركات الاستثمار المختلفة يحثها على اقتناء سندات بنوك التسليف المحلية باعتبارها أوراقاً ثابتة مضمونة ووسيلة حسنة للاستثمار، وذلك طبقا لما نصت عليه بعض القوانين المالية، فكان هذا التعضيد الرسمي أداة قوية في يد ستافسكي ومشجعا للشركات على شراء سندات مصرفه، وكانت هذه الملايين الطائلة بدلا من أن تودع خزينة البنك تذهب توا إلى جيب ستافسكي يبددها على بذخه المدهش وينفق منها على شركائه وأعوانه. ولم تكن هذه الملايين ترصد في سجلات البنك لان السندات كانت زائفة تصدر دون مرجع أو سجل، وقد استطاع ستافسكي كما أثبت التحقيق أن يبيع من هذه السندات المزورة إلى مختلف الشركات والأفراد بما يساوي نحو خمسمائة مليون فرنك (أو نحو ستة ملايين جنيه) في أقل من ثلاثة أعوام! هذا إلى طريقة أخرى للاختلاس لجأ اليها ستافسكي، وهو أنه في فرص كثيرة كان يقدم إلى البنك بعض الجواهر المزيفة باعتبار أنها جواهر ثمينة ويسحب عليها مبالغ طائلة، وفي أحيان كثيرة كان يستخرج الجواهر الثمينة التي أودعها عملاء البنك في خزائنه رهنا للقروض ثم يضع مكانها جواهر زائفة، ويحصل بهذه الوسيلة على عشرات الملايين.
والآن، لنر كيف اكتشفت هذه الاختلاسات الهائلة. ومن المحقق أنه كان من المستحيل أن يمضي ستافسكي في جرائمه طول هذه المدة، وعلى هذا النحو المدهش لو لم يكن مستظلا