والهزيمة، وفي العثور على محور التنافس والنزاع، وكشف القوانين التي تعمل من وراء هذا كله لترجيح كفتي الفناء أو الخلود إحداهما على الأخرى. فكثير من متناولي الأدب من يقف اليوم خاشعا أمام تراثنا الأدبي القديم، مستلهماً نفحات الخلود من سطوره وكلماته لأنه قديم باقي منذ مئات الأعوام إلى اليوم برغم الغير والأحداث، دون أن يفرق بين أدب لا يجدر به أن يحفظ إلا ليؤدي مثل وظيفة تلك البقايا الحفرية تسجن في غرف المتاحف فتذكر بنوع باد وانقرض، وبين أدب خالد وثيق الصلة بعناصر الحياة فهو باق بأصله وأثره ولو اندثرت ألفاظه، وليس من سبب لهذا النظر الواهم إلا عدم الإحاطة بدائرة الخلود وتنور الأسس التي يشاد عليها صرحه وما يؤدي إليه هذا الإبهام من قصور عن إدراك الفارق الكبير بين مدلول كلمتي (الخلود) و (البقاء) في العرف الأدبي الدقيق.
ليس الخلود في الأدب هو مجرد البقاء، وإن أوضح ما يبدي الفرق
بينهما هو ذات هذا التباين الذي أدركناه بين بقاء الآثار والعاديات وبين
بقاء الكائن الحي الخالد، ويمكن أن يعبر عن تلك الميزة الكبرى بأن
خلود هذا الكائن إنما هو بقاء مقرون بالتأثير والتأثر، أو هو بقاء قابل
فاعل، أو هو الحياة، فالأثر الأدبي كالأثر المادي سواء في أن كلا
منهما لا تتحقق له صفة الخلود إلا إذا امتاز بصفات وخواص
تؤهلهلان يظل مشتركاً مع دوره هذا الكون الحي بآثار يحدثها فتزيد
في قوة تلك الدورة، أو بطواعية ولطف تقبل لما يوحي به الكون من
غايات، وما يتطلبه من نظم، وبقدر ثروته من هذه الخصائص تتعين
له منزلته من درجات الخلود المتفاوتة السمو، غير أن الكائن المادي
يؤدي وظيفة حياته هذه بالفعل أو الترك، والأدبي إنما يؤديها بما فيه
من أفكار ووجدانات.
وإذا كانت مؤهلات الخلود للنوع المادي هي في هذا التكوين الدقيق المنظم من عناصر