متجانسة متوافقة، انتخبت من جنس عناصر الكون الخالد، لتشترك باتحاد ذروتها واتساق تركيبها في تأدية سلسلة مترابطة من الغايات، حتى تنتهي إلى الغاية الكبرى من تكون الكائن كله بجميع أجهزته وأعضائه، وهي الاتصال المباشر بدورة الحياة وبالنشاط والحركة والعمل والإنتاج والإهلاك والإدارة بنوعيها من سلب وإيجاب - كذلك مؤهلات الخلود للنوع الأدبي إنما هي في تكوينه من لباب من المعاني، مأخوذ بمهارة من صفحة الكون الزاخر بالحقائق والأحلام، متسق العناصر والأجزاء بدقة وتفنن وابتكار، حتى يبدو في شكل وحدة متلائمة كلها أفكار ووجدانات، تؤدي غايتها العظمى، مؤثرة تارة في الحياة ببعث الحق فيها والخير والفضيلة والكمال، أو متأثرة بها تارة أخرى بتقديس ما بها من جمال وعبادة ما وراءها من أسرار وامتزاج بما فيها من روح!
ذلك هو الشرط الخلود بحدوده العامة، وليس هو قيدا نبتكره ونمليه نحن على الأدب وأهله، وإنما هو فيما نرى قانون ثابت أملته طبيعة الحياة من قبل على الكائنات المادية، ونفذت أحكامه عليها بعنف وقسوة، وهي تمليه اليوم وتطبقه على الكائنات المعنوية بعد أن اشتد تنافسها وكثرت أنواعها، وبعد أن أصبح للآداب كيان ظاهر في الحياة الإنسانية يسعى إلى مثل ويتجه إلى مقاصد، أو كما يقول النحاة بعد أن أصبح (عمدة) لا (فضلة).
ولقد ظهرت آثار هذا القانون بجلاء منذ بضعة قرون في الحياة الأدبية لأمم أوربا الراقية حين أخذت آدابهم تنمو وتستقل وتقوى شخصيتها وتتحدد غاياتها، فنشأت عندهم مذاهب النقد وطرائق البحث التي تعمل كلها في ضوء هذا القانون حتى لا تمنح رتبت الخلود إلا لما أحتوى على عناصره وتحقق فيه شروطه، وهاهو ذا تراثهم الأدبي تجد فيه سجل الخلود منشورا واضحا لا يجمع إلا أمثال أسماء شكسبير وملتون وشلي وبيرون وتنيسون وسكوت في انجلترا وموليير وروسو وفولتير وهوجو في فرنسا ولسنج وشلر وجيته في ألمانيا، وغيرهم ممن يظاهيهم أو يقاربهم مرتبين في درجات مختلفة من الخلود بحسب ما حاز كا منهم من عناصره. أما نحن فلا تزال حياتنا الأدبية ناشئة حديثة، وقد كانت إلى عهد قريب حائرة ضعيفة الإدراك لا تدري أي سبيل تسلك ولا على أي مرفأ ترسو. لأن الشعور بالحياة كان ضيق الدائرة ضئيلا، وكان سوء التقدير وفساد الفهم لغايات الأدب ومعاني خلوده يحاصر هذا الضيق ويأبى عليه أن يكتسب مرونة أو اتساعا. ولكنها الآن قد