نصراني، وقد يجود به يهودي ممن تتسع أذهانهم وتصفو نفوسهم فتحب إلى جانب المادة ما هو خير من المادة، بل قد يجود به وثني مثل غاندي
وقد كان طبيعياً أن ينعقد اللواء للزعامات القومية فيما مضى وأن تصطبغ حتى الزعامات الفنية بألوانها في أقتم درجاتها لأن البشرية لم تكن قد التحمت هذا الالتحام الذي تشابكت به اليوم؛ فلم يكن عجباً أن يكون زعيم القبيلة هو فارسها وهو شاعرها كما كانت عنترة العبسي في قومه مفخرة لهم، له اليد الطولى في مجدهم الحربي ومجدهم الفني أيضاً. . . ولكن منذ بدأت الآفاق تتفتح أمام المجموعات البشرية حق عليها أن ينفتح إحساسها حتى يحيط بكل ما تضرب فيه الحياة وحتى يلم بكل ما يضطرب فيها
ولا ريب أن الإنسانية قد انتبهت إلى هذا الآن، فقد قضت وقتاً طويلاً وهي تجرب هذه الدعوات التي تهتف بالقوميات والعصبيات المادية فتبين لها أنها دعوات ضعيفة عاجزة منافقة
أما ضيقها فتابع لضيق البيئات التي تصلح لانتشار كل منها، وأما عجزها فتابع لما تستدعيه من التنفير الذي ينفث الكراهية في نفوس الناس فيرجم بعضهم بها بعضاً، وأما نفاقها فظاهر في أتباعها كما أنه ظاهر في ميوعتها وحيرتها وتناقضها مع نفسها، فقد كانت للإنجليز قومية يدعون إليها ويفخرون بها، وكان منهم من أسرع إلى أمريكا فاستوطنها ثم أبى أن يخضع لسلطان وطنه الأول فانقلب على قوميته وأنشأ مكانها قومية أخرى يحبها ويناضل في سبيلها لأنها تتصل بالأرض التي يعيش عليها ويأكل منها، ولا أكثر. وهذا ما حدث للأسبان الذين نزلوا أمريكا الجنوبية فقد انقلبوا على إسبانيا أمهم الأولى؛ ثم انقلبوا على أنفسهم واستأثر كل جماعة منهم بقطعة من الأرض. . . وهذا يثبت أن فكرة القومية والوطنية المادية ليست من الشرف في مكان يعلو على المادة ويتسامى عليها، وما من شك في أن (قومية الفكر) أو (قومية الفن) خير منها. ويتضح فضل الروحانية بمراقبة هذه القوميات المادية عندما يحتك بعضها ببعض فإننا نرى أن المادة والشغف بها يزيدان الصراع بين الناس استعاراً بينما المذاهب الروحية كلما توغلت في نفوس الناس على أساس من الصحة والسلامة ومجاراة الطبيعة والبعد عن التكلف كان ذلك أدعى إلى تقارب البشر، وزيادة تفاهمهم وتعاونهم