للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يزال بعيداً كل البعد عن شعور الأسترالي، والمثل العليا التي يجري التركي وراء تحقيقها لا تزال مختلفة كل الاختلاف عن تلك المثل العليا التي يسعى النرويجي اليها؛ وليس ذلك إلا لأن الفنون قصرت حيث نشطت العلوم، ولأن إحساس البشرية تبلد حيث التهب عقلها. وما كان عقل البشرية ليهديها إلى الخير وحده، فلابد له من إحساس وأخلاق يسير في مصاحبتها إلى هدف الهدى

على أن هذا لا يصح أن يدفع اليأس إلى نفوسنا من صلاح الناس، فإن بذرة النجاة موجودة، وطريق السعادة ممهد قد رسمه الإسلام. وليس ينقص الإنسانية اليوم إلا فنانون مسلمون يضربون بإلحاح على ذلك الوتر المشجي الذي عزف عليه القرآن أول مرة فرتل قوله تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم. فمتى شاع هذا الإحساس في الناس شاعت فيهم السعادة. وقد كاد هذا الإحساس يشيع لولا أن انقسم العرب على أنفسهم فأصبحوا مشارقة ومغاربة، ولولا أن استعصمت أوربا بتعصبها، فألحت في محاربة المسلمين الذي نزلوا الأندلس ومضت في الحرب إلى أوائل هذا القرن حتى احتل اللورد اللعين فلسطين فقال: اليوم فقط وضعت الحرب الصليبية أوزارها.

على أن الإنسانية قد بدأت تحس هذا الإحساس النبيل، وإن كان يداخل نفسها في هدوء وفي بطئ، وإن كان عقلها ولسانها لا يزالان ينكرانه. ولولا هذا الإحساس لاشتبكت الدول في الحرب منذ عام أو منذ عامين، ولكن هذا الإحساس هو الذي يكتف القادة من غير أهل الفن، ويمنعهم من توريط أنفسهم بإعلان الحرب لأنهم يكادون يكونون مؤمنين بأن الشعوب أصبحت لا تتغاضب ولا تتقاتل جرياً وراء فكرة القومية المكذوبة؛ ولأنهم أصبحوا يرون أن الأفراد اليوم يعتزون بحياتهم، وبمتعة الدعة أكثر مما يعتزون بالرغيف.

وليست الشهادة الحرفية بتوحيد الله، والاعتراف الحرفي برسالة محمد هي كل ما نطلبه، وإنما نطلب لسعادة البشرية الإيمان بوحدانية الله إيماناً يتطرق إلى كل عمل وكل قول مما يعمل المؤمنون ويقولون، والإيمان برسالة محمد إيماناً ينفي كل ما يراد به تفضيل طائفة من طوائف البشر ورفعها على الطوائف الأخرى؛ فإن محمداً لم يكن يرى فضلاً لعربي على عجمي إلا بالتقوى

هذا هو الفن الجديد الذي تريد الإنسانية اليوم. وقد يجود به عليها مسلم، وقد يجود به

<<  <  ج:
ص:  >  >>