الفن. وإنما أمانة الزعامة تقتضي الإرشاد والإصلاح والتحسين. فإذا كان الجمهور متردياً في رذيلة من الرذائل فليس زعيماً ولا هادياً من لم ينقذه منه. وكما أن الجماهير تتردى في رذائل خلقية، وفي رذائل عقلية، وفي رذائل اجتماعية، فإنها تتردى كلك في رذائل حسية يجب على من يحمل لواء الزعامة الفنية فيها أن ينقذهم منها أو أن يحاول إنقاذهم على أقل تقدير مادامت هذه الزعامة سبقاً في الحس، وسبقاً في التعبير. . . وإلا فهي لا شيء. . . أو هي تلك الأنانية الفنية الضيقة التي ليس لها شأن إلا بصاحبها فقط
أما الرذائل الخلقية والاجتماعية والعقلية فهي الأغلاط الإنسانية التي يعالجها أصحاب الفضيلة الإصلاح الاجتماعي والناهضون بالعقل المؤدي إلى العلم النافع. . . وأما الرذائل الحسية فهي التي ينفضها الفنانون عن أنفسهم بالسليقة أو بالتدريب الحسي فيزيحونها كذلك عن نفوس الذين يتابعونهم في إحساسهم ويتتلمذون عليهم فيه، والذين يشابهونهم في طريق التعبير عنه. ومن أمثلة هذه الرذائل الحسية ما تعانيه البشرية اليوم من استعار التعصب للقومية المادية، فهو وإن كان مما تلزم إثارته عند الشعوب الضعيفة حفظاً لكيانها بين الشعوب القوية المتعصبة؛ فإنه مما يجب أن يكافح وأن يقاوم بكل وسائل الكفاح والمقاومة عند الشعوب القوية، لأنه لا معنى له إلا الانحطاط بالمثل البشرية العليا، إلى حيث تكون أدنأ المثل وأضيقها رحاباً وأقذرها أهدافاً.
والفنانون الذي ينتظرهم العالم اليوم لينقذوه من هذه الرذيلة هم الفنانون الذين يحسون القبح في هذا الإحساس ويشمئزون منه ويدعون إلى فض هذا النزاع المادي المتستر تحت قناع القومية ولابد أن تبدأ دعوتهم بأن يشعروا شعوراً صادقاً بأن الإنسانية حين تقدمت بعقلها وعلمها في طريق الحضارة الماثلة الآن تلكأت أو انتكست في سعيها الحسي، فلم توازن بين هذا التقدم في الحضارة وبين ما كان يجب أن يصاحبه من الإحساس الذي يشمل البشرية كلها كما استطاعت الحضارة أن تربط أطراف العالم بعضها ببعض وأن تخلط الشعوب بعضها ببعض، وأن تصل العقول بعضها ببعض، بحيث أصبح الياباني يعرف كل ما يعرفه الإنجليزي من المعلومات، وبحيث أصبح الأمريكي يقرأ ما يقرأه الأسترالي من الكتب وبحيث أصبح التركي يدرك ما يدركه النرويجي من الحقائق العلمية. . .
ولكن إحساس اليوناني لا يزال بعيداً كل البعد عن إحساس الإنجليزي، وشعور الأمريكي لا