والمراسلة وما جرى مجراها، فلا يبقى منها مستقلا إلا ما ترشحه رقة نغماته ووحدة موضوعه وصدق شعوره ليجيب بعض نداءات الحياة القصيرة التي لا تتحمل أعباء القصة ولا تستطيع تغذيتها. وفيما خلا ذلك تنهض القصة بدعوات الحياة الكبيرة وتخض معارك الاجتماع وترتوي من منابع العلم فتصبح صورة صادقة ناطقة للإنسان والكون وما بينهما من أسباب وصلات.
وحري بنا ألان وقد جرت معنا ألفاظ الغاية والهدف والقصد إلى جانب الأدب أن ندفع ما قد يدور بخلد ظان من أننا نريد أن تكون الغاية هي التي تخلق الأدب وتتحكم فيه، فلا يكتب الأديب أو ينظم إلا لغاية قد تعمدها ونصبها أمامه، فان مآل هذا أن يصبح الأدب صناعة لا فنا وأن يصير الأديب مصنوعا لا مطبوعاً، وإنما نحن ننسب الغاية إلى الأدب على سبيل المجاز، ونريد في الحقيقة أن يصدر الأدب عن نفس تشربت من قبل بالغايات والمبادئ حتى ذابت فيها وتحولت إلى وجدان حي ورغبة فنية دافعة، فهي لا تكتب بعد ذلك ناظرة إلى غاية منفصلة، وإنما هي تعبر عن شعورها المتصل بها وفكرها الذي أصبح ملكا لها إرضاء لطبيعتها الفنية وفطرتها الأدبية، فكأن للأدب غاية لا ترى لا بعد صدوره بالفطرة.
وللخلود في الأدب مناطق تختلف سعة وامتدادا. فقد يسري حتى يعم العالم بأجمعه ويصير أدبا عالميا، وقد يقتصر على أمته وشعبه فيكون أدباً قومياً. وحولهما درجات، والسر في هذا إنما يرجع إلى اختلاف موضوعاته: فإذا كان متناوله النفس الإنسانية من حيث هي لا باعتبار الأجناس والأنواع فهو جار مع النفس الإنسانية في كل مكان. وكذلك إذا كانت وجهته الكون والطبيعة والمعاني الكلية التي لا تحدها الأمكنة، ولا تطغى عليها البيئات. ومن أظهر الأمثلة لذلك أدب المعري وابن الرومي والخيام في الشرق، وشكسبير وروسو وهوجو في الغرب. أما إذا كان موضوعه مصبوغاً بصبغة البيئة وألوان المكان وأغراض الشعوب والأجناس فهو خالد في حدود من يصورهم ويتحدث بلسانهم. ومن أمثلته بعض أدب حافظ وشوقي مما يغذي الوطنية في مصر، ورديارد كبلنج في إنجلترا، وجميع الآداب القومية التي يعتز بها اليوم كل شعب. وليس يعني هذا التفاوت في سعة النفوذ تفضيلاً في الرتبة بين خلود وآخر، لان الأديب قد ينتج النوعين وينبغ في الناحيتين معا، ولكنه يقال