على إنها نزعات فردية من شخص لآخر، ولكن على انها ظواهر اجتماعية لها آثارها في المجتمع ولها أحوالها وخواصها المتأثرة به المتغيرة بتغير، وناظراً منصتاً لا في منطقة شخصه ولكن في رحاب المجتمع الطليق يراه كيف يجد ويلعب وكيف يفكر، وكيف يشعر، ويسمعه بأي لحن ينطق ويغني ويئن ويهتف، ضاربا معه على أوتار أفراحه وأحزانه؛ صاعداً إلى سماء الآمال أو منحدراً إلى أرض الهوان، صارخا في ثورته، نائما في رقدته.
وكان الأدب القديم نسيجا من خواطر وأحاسيس هي بنت ساعتها، ووليدة حادثتها، توضع متراصة مسرودة دون أن ينظمها سمط من العلم أو رباط من العقل، وما زال أدبنا الحديث أيضا نسيجا من مثل هذه الخواطر والاحاسيس؛ لا يحاول أن يتقرب إلى العلم أو يصافح الفلسفة أو يمد يده إلى علم النفس، بل كثيرا ما يقف منها موقف الاضداد، فإذا كان منشأ هذا النقص عند أدباء القرون الماضية هو فقرهم من هذه الثروة الفكرية العظيمة؛ وفهمهم الأدب على أنه منفذ للشعور الفردي الوقتي كيفما كان لا كما نفهمه نحن اليوم من أنه دعامة من دعائم الحضارة وأسس الاجتماع المهذب الراقي - فبأي سبب غير عماية التقليد نعلل وجود هذا النقص في أدبنا إذن ونحن في عصر يفهم الأدب على هذا الوجه، ثري بما فيه من منتجات الفكر؟
ولعل هذه الروح الجديدة التي نحاول أن نشربها أدبنا ليتصل بالعلم والاجتماع، تدل بنفسها على أنها لا تستطيع أن تحيا وتنمو وراء هذه الأسوار الضيقة التي كانت تحاصر الأدب القديم: أسوار الشعر الغنائي والحكم المقتضبة والأمثال الموجزة، والفصول الكتابية والأراجيز النظمية تعقد لبيان الأخلاق والنصائح والعظات في قواعد وقضايا آخذ بعضها برقاب بعض. وإنما هي يريد قبل أن نفكر في استلهامها أن نهدم هذه الأسوار ونخرج إلى ميدان القصة والملحمة والرواية الرحيب الجوانب فننثر في فضائه ما نريد من حكم ووصف وعظات وما نشاء من وحي الفكر والوجدان.
أجل، فان ذروة الخلود سوف تدنو من صروح القصة والرواية وما حكاهما، وسوف تكون هذه الأنواع أقوى أنواع الأدب وأكبرها اثرا في تأدية وظائفه في الحياة الإنسانية بين الجماعات والافراد، وستندمج في ثناياها تلك الأنواع الصغيرة التي لا تحتوي الا على خطرات محدودة من مشاعر الحب والانتقام والهجاء والفخر والحماسة والمثل والوصية