للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضربها أو قسمتها فكان يعيد علينا سردها دون أن يخطئ في رقم واحد منها. وأغرب من هذا مقدرته الغريبة على أن يجري معنوياً في الحال العمليات الحسابية الكبيرة المعقدة التي تطلب منه دون أن يستعين بالكتابة وهو يجهلها كما تقدم لنا القول. فلا شك في أن جزءاً من مخ هذا الشخص نما نمواً استثنائياً أكثر من المعتاد جعله يذكر الأعداد الضخمة التي تتلى عليه ويحسبها بتلك السهولة المدهشة، الأمر الذي يعجز عنه باقي الناس. وقد شاهد كاتب هذه السطور شخصاً آخر من هذا القبيل من سنين في باريس بولوني الجنسية

ومثل أولئك الحسابين الشواذ الأشخاص الذي نبغوا في الموسيقى من حداثة سنهم نبوغاً فوق الطبيعي، فترى الواحد منهم وهو في سن الطفولة يلتقط أية نغمة يسمعها لأول مرة ويعزفها على الآلات الموسيقية التي يجيدها لدرجة الإعجاب الكبير ويؤلف الأدوار التي يعجز عنها كبار رجال الموسيقى العاديين، ويقود الجوقات الموسيقية وقد لا يزيد عمره على العاشرة أو الثانية عشرة. والأمثلة عديدة من هذا القبيل وهي معروفة للجميع. فلا شك في أن مخ هؤلاء النوابغ الخارقين للعادة نما في ناحية منه نمواً أكثر من الحالة الطبيعية جعلهم يمتازون بتلك المقدرة التي يعجز عنها باقي الناس

وكذلك الحال بالنسبة لعظماء الرجال الذين نبغوا في العلم أو الأدب أو الفنون الجميلة أو الفنون العسكرية. فهذا بسكال العالم الرياضي الكبير استنبط من تلقاء نفسه وهو في سن الثانية عشرة النظريات الهندسية القديمة الأساسية قبل أن يدرسها. وهذا نيوتن مكتشف ناموس الجاذبية. وهذا جوت أو جيته العبقري الألماني الكبير مؤلف رواية فوست الخالدة فإنه لم ينبغ فقط في الشعر والأدب بل وأيضاً في العلوم البيولوجية وله اكتشافات جليلة في علوم الحيوان والنبات وتكوين الجنين تؤيد ناموس التطور والتسلسل الذي قال به وبحث فيه قبل داروين بخمسين سنة، لمناسبة ظهور نظرية لامرك سنة ١٨٠٩. وهذا نابليون عبر بجيشه جبال الألب وفتح إيطاليا وهو لا يتجاوز الثانية والعشرين؛ ثم غزا مصر، ثم انتصر على أكبر قواد أوربا ودخل جميع عواصمها ظافراً وهو في مقتبل سن الشباب. وهذا فكتور هيجو العظيم. وهذا أينشتين، وغيرهم. ولا شك في أن مخ هؤلاء العظماء نما نمواً فوق المستوى الطبيعي لباقي البشر. والنمو المقصود هنا ليس في حجم المخ ولكن في تكوين خلاياه وصفاتها الطبيعية والكيميائية وتشعب فروعها واتصالها (أي اتصال الخلايا)

<<  <  ج:
ص:  >  >>