للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آخر لأسباب محلية لا يمكن التنبؤ بها، ومن باب أولى لا يمكن حصرها مقدماً وتحليلها ومعرفة نتائجها

ولكن الظواهر كلها تدل على أن المخ سيواصل نموه على ممر الزمن في نفس الاتجاه الذي بدأ فيه بدليل اضطراد رقي الأمم المتحضرة عقلياً وتفوقها على الأمم المتوحشة تفوقاً تدريجياً مستمراً

فإذا استمر التطور في هذا الاتجاه فإن الفكر الإنساني يصل حينئذ إلى درجة من القوة تجعله يحل بسهولة المسائل المعلقة في العلم وفي الفلسفة ويسمونها الآن ألغازاً أو أسراراً ويكشف عن أسبابها ونواميسها الطبيعية، ويتحول الإنسان إذ ذاك إلى نوع جديد من الـ الذي يتكلم عنه نيتشه

وعلى الجملة فنحن الآن فيما يتعلق بتلك المسائل الغامضة المستعصية على عقولنا على ما كان عليه أجدادنا البعيدون بالنسبة للأمور التي لا تدركها عقولهم البسيطة ونعدها نحن من البديهيات نظراً إلى النمو الكبير الذي طرأ على مخنا أثناء تطورنا

وهناك بعض شواهد تؤيد هذا الرأي. فكلنا سمع بذلك الشخص المدهش الذي يقوم بأعمال كالمعجزات في الحساب دون أن يستعين بأية ورقة لأنه أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة. وقد اختبرته أنا وعدد من المعارف فكنا نكلفه بعمليات طويلة عويصة بأن نطلب منه مثلاً أن يجمع خمسة أو ستة أو عشرة أعداد كبيرة مكون كل منها من أرقام عديدة، أو أن يضرب عددين ضخمين الواحد منهما في الآخر، أو أن يقسم أحدهما على الثاني، أو أن يستخرج الجذر المربع أو المكعب لعدد من سبعة أو ثمانية أرقام الخ، وكنا بطبيعة الحال نحتاط بإجراء هذه العمليات على الورق مقدماً قبل أن نضعها له لتطابق إجاباته على نتائجها. وليتصور القارئ ما كنا نعانيه من التعب وبذل الوقت الطويل في ذلك. وكم كانت دهشتنا عظيمة كل مرة حين كان يفوه بالرد فإذا به مطابق تمام المطابقة لما وصلنا إليه بعد تسويد الأوراق الكثيرة. وإذا وقع خلاف فكان يتضح لنا من مراجعة حساباتنا أنه لم يخطئ هو في شيء بل إن الخطأ جاء منا

ويمتاز هذا الشخص بذاكرة للأرقام مدهشة خارقة للعادة، فإننا كنا نتلو عليه من أوراقنا الأعداد الضخمة الكثيرة المكون كل منها من ثمانية أو عشرة أرقام طالبين منه جمعها أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>