للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأحياء وفي الحيوانات على الأخص (بما فيها الإنسان) وكيف أن مواد كيميائية، أي جمادات محضة، مشتقة من الأرض والهواء بفعل العوامل الطبيعية، وعلى الأخص طاقة الشمس تشعر بوجودها وتحس بما يحدث لها - أقول إن عجزنا الحالي عن إدراك حقيقة هذه الأمور التي نسميها ألغازاً وأسراراً لا يدل على أنه من المحال معرفتها، وإنما يرجع ذلك إلى نقص في تكوين مخنا وعدم نموه بعد إلى الدرجة التي تجعله يستوعبها ويلم بخفاياها ويفسرها التفسير العلمي الصحيح

لا يخفى أن الحيوانات العليا الممتازة بشيء من الذكاء مثل الكلاب والفيلة والقرود الشبيهة بالإنسان المسماة (الشامبانزيه، والغوريلا، والأرونجوتانج، والجيوبون) تعجز عن إدراك معظم الأمور التي نعرفها نحن ونعدها من البديهيات. هي ألغاز وأسرار بالنسبة لها، ولو كان في وسعها أن تتكلم أو تكتب لوصفتها بأنها الأمور المجهولة التي لا يمكن معرفتها ' على حد تعبير هربرت سبنسر

ولا شك في أن هذا كان حالنا فيما مضى من الزمن قبل أن يتم تطورنا الإنساني بفعل العوامل الطبيعية. فلما تم هذا النمو ونما على الأخص مخنا بسبب الظرف الطبيعي الذي طرأ علينا في ذلك الماضي البعيد وهو اضطرارنا إلى الوقوف على الدوام على قدمينا الخلفيتين لتسلق الأشجار لنقتات ثمارها بسبب ما حدث في ذلك العهد من نقص الغذاء على الأرض من جهة، ونمو الحيوانات المفترسة من جهة أخرى. واستعمال أيدينا في القبض على فروع الأشجار وقطف ثمارها، ثم في تناول الأشياء والأجسام المادية الأخرى وفحصها والتأمل فيها، وذك مدة مئات الألوف من السنين - أقول إنه حين تم هذا النمو في مخنا أدركنا شيئاً فشيئاً كثيراً من الأمور التي ظلت غامضة على أجدادنا، وأخذت معلوماتنا تتسع بالتدريج إلى أن قام العلم وازدهى وساد العالم في عصرنا الحالي

وبطبيعة الحال لا يمكن القول بأن التطور الإنساني قد تم ووقف عند هذا الحد وهو لم يمض عليه اكثر من ثلاثمائة ألف سنة (متوسط تقدير العلماء) منذ أن تميز عن النوع الذي تفرع منه. ومعلوم أن حياة الأنواع الحيوانية والنباتية تعد بملايين السنين والمرجح أن يستمر التطور في المستقبل، غير أنه لا يمكننا أن نعرف من الآن الاتجاه الذي سيسلكه لأن هذا متوقف على العوامل الطبيعية والاجتماعية المختلفة التي تطرأ وتستجد من وقت إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>