ولقد كان الزمان والمكان مشكلتين أمام أهل العصور الأولى، فكان الإنسان مضطراً إلى لزوم دنيا مزدحمة ضيقة هي دنيا وجوده الحاضر، فتمكن من السيطرة على اعتبار المكان بواسطة الكتابة والطباعة والتصوير الشمسي والآلة الناطقة، وتمكن من السيطرة على اعتبار الزمان بواسطة الساعة والمنظار المقرب وآلة البرقية والمسرة واللاسلكية والآلة البخارية والسيارة، وتمكن بواسطة الطيارة من انتصارات جديدة على اعتباري الزمان والمكان
يجد الصغار من البنين والبنات أنفسهم في هذه الدنيا العجيبة ويتوقون إلى استئناف النصر فيها ويطيبهم منها كل ما كان في الإمكان، فمما يساعدهم على تفهم الدنيا أن يعرفوا كيف شيد بناء المدنية الحديثة
وإن دراسة زعماء النهضات وتقدير ما نحن مدينون به لهؤلاء الزعماء بمثابة تقديم الشكر على الصنوف التي نتناولها من صنع أيديهم
وفي تلك الدراسة وفي ذلك التقدير ما يجعل الشبان أكثر زهواً بتراثهم الإنساني عندما يتبينون أن معارك العالم قد خاضها في كل العصور رجال ونساء مثلنا
وعندما يسطع على لوحة إدراكهم وميض اللحظات العظيمة في حياة العلم سيرون لمحات لا من الماضي والحاضر فحسب، بل من اللحظات العظمى في حياة الإنسان، لحظات الإلهام التي استمتع بها المخترعون والمستكشفون فكانت إيذاناً من الله بظهور هذه الاختراعات وتلك الاستكشافات
عصر النار
صنع النار. الصخر المذاب. الحديد
النار أنفس ما كان في حيازة الإنسان فتخيل كيف تكون الدنيا إذا انطفأ كل ما فيها من النيران، ولم يبق فيها من يستطيع إيقادها!
إن منازلنا تصبح باردة لا تطاق فيها الحياة، ويصبح طعامنا غير قابل للنضج، وتقف قطاراتنا وبواخرنا، وتمتنع عن العمل مصانعنا، ولا يمكن صنع الكثير مما نأكله أو نشربه