وكان همهم الأول البرهنة على أن الإنسان إما خالق لأفعاله فهو مسئول عنها أمام الله في القيامة، ويحق عليه الجزاء ثواباً وعقاباً، أو أن الإنسان وأفعاله من خلق الله، فلا يكون ثمة حساب أو عقاب. وهمهم الثاني هو البحث في معرفة الله لما يحدث: أهي قبل الحدث أم بعده)
ونحن نرجو من الأديب الفاضل أن يصحح هذا القول، فإن المسلمين، القائلين منهم بأن الإنسان خالق لأفعاله وغير القائلين، متفقون على أنه مسئول عنها أمام الله، وعلى أنه مجزي بها؛ فإن أهل السنة لا يقولون بأن الإنسان خالق لأفعاله، ولكنهم لم يجعلوا خلقه لأفعاله أساساً لاستحقاق الجزاء، ولا عدمه لعدمه. فقوله (أو أن الإنسان وأفعاله من خلق الله فلا يكون ثمة حساب أو عقاب) بعيد كل البعد عن الحق. وكذلك قوله (وهمهم الثاني هو البحث في معرفة الله لما يحدث: أهي قبل الحدث أم بعده) في غير محله أيضاً، فإن المسلمين لا يختلفون في أن الله تعالى عالم بكل ما يحدث قبل حدوثه، إلا أنهم قالوا:(إن علمه بالمتجددات على وجهين: علم غير مقيد بالزمان، وهو باق أزلاً وأبداً لا يتغير ولا يتبدل؛ وعلم مقيد بالزمان وهو علمه تعالى بالمتجدد أو المتغير، وهذا العلم متناه بالفعل بحسب المتجددات، وغير متناه بالقوة كالمتجددات الأبدية. والعلم لا يتغير بحسب الذات، ويتغير من حيث الإضافة، ولا فساد فيه، وإنما الفساد في تغير نفس العلم) نعم قالت فرقة من القدرية: (إن الله لم يقدر الأمور أزلاً، ولم يتقدم علمه بها وإنما يأتنفها علماً حال وقوعها) ولكن هذه الفرقة قد خرجت بهذا القول عن الإسلام (فقد كفرهم عليه الإمام مالك والإمام الشافعي، والإمام أحمد وغيرهم من الأئمة) على أن هذه الفرقة لو عدت من الإسلام لا يصح أن يجعل قولها - وهو من الضعف ما هو - مقابلاً لقول سائر المسلمين، أو على الأقل لا يصح الادعاء بأن هم رجال الدين والمتكلمين هو البحث في هذه المسألة على هذا النحو
وجاء في هذا المقال أن المعتزلة قالوا:(بأن الله لا صفات له غير ذاته، فشاركوا الجهمية في هذا الأصل)
وهذا الكلام يحتاج إلى تصحيح، أولاً من جهة عدم توضيح قول المعتزلة، فإن تركه بلا توضيح يوهم إنكارهم الصفات إنكاراً غير حميد كما يدل عليه اعتبارهم شركاء للجهمية