أقطار كثيرة مختلفة المشارب والأذواق، وكان المتعلمون بها يشارفون المائتين من الملايين، فهل يمكن الحكم بأن تلك الأمم جميعاً أصابها العقم فلم تنتفع واحدة منها بأسلوب القرآن؟
وهل هذا يعقل إلا عند من يسارعون إلى ارتجال الأحكام بلا مراجعة ولا استقصاء؟
إن مؤرخي الأدب الفارسي ومؤرخي الأدب التركي نصوا على أن القرآن أثر في هذين الأدبين تأثيراً بليغاً، فكيف يجوز ألا يتأثر الأدب العربي بالقرآن وهو به ألصق، واليه أقرب، ومن أخيلته وألفاظه وتعابيره يستمد القوة والحيوية؟
أنا لا أستسيغ القول بأن الأدب العربي وصل إلى ذلك الحد من الجمود في الاستفادة من القرآن مع أنه استفاد من كل ما وصل إليه من ثمرات الآداب الأجنبية، وقد استطاع بالفعل أن يؤرخ الحضارة التي عرفها في الشرق والغرب، بحيث صار مرآة لما رآه العرب في الممالك الأسيوية والإفريقية والأوربية
ولا ينكر ذلك إلا رجل يكابر فيما تلمسه الأيدي وتراه العيون
وأختم كلمة اليوم بعرض فكرة لا يختلف فيها اثنان
وتلك الفكرة هي تأثير القرآن في وحدة اللغة العربية، فبفضل القرآن امتدت الحياة في لغة قريش نحو خمسة عشر قرناً. ولو أن العرب خلت حياتهم من الدعوة الإسلامية لكان من المستحيل أن يكون في الدنيا إنسان يفهم ما أثر من لغة قريش قبل الإسلام بقرن أو قرنين
وإنما استطاع القرآن أن يحفظ وحدة اللغة القرشية، لأنه كان مفهوماً في كل أرض أنه نموذج عال للبلاغة العربية، فكانت البلاد الإسلامية ترجع إليه في صيانة لسان العرب من البلبلة والانحراف.
والكتاب الذي تسود لغته فيما اختلف وائتلف من الأقطار الإسلامية لا يبقى بينه وبين أذواق الشعراء حجاب
وماذا يريد هذا الأستاذ المفضال؟
أيريد أن يُلغي الناس عقولهم ليصدّقوا أحكامه الخواطئ على ماضي الأدب العربي؟
إن جميع القراء قد اتفقوا على أن قدمه زلت وهو يحاول تزهيد الجمهور فيما ورثناه عن الآباء والأجداد من الثروة اللغوية والأدبية. ولو أنني استبحت نشر ما سمعت من أصدقائه