المصلحة في المعاملات ونحوها، دون العبادات وشبهها، لأن العبادات حق للشارع خاص به، ولا يمكن معرفة حقه كماً وكيفاً وزماناً ومكاناً إلا من جهته، بخلاف حقوق المكلفين فإن أحكامها سياسية شرعية وضعت لمصالحهم وكانت هي المعتبرة، وعلى تحصيلها المعول اهـ باختصار، وتمام البحث في رسالة يسر الإسلام، وأصول التشريع العام للسيد الإمام محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى
إنشاء مجلة للأحكام الشرعية (العصرية)
إن من أفضل ما يقوم به المفكرون من رجال الإسلام العناية بوضع مجلة الأحكام، تسير على نهج (مجلة الأحكام العدلية) التي وضعت في عهد الدولة العثمانية، عام (١٢٩٧) على ألا تكون مقيدة مثلها بمذهب واحد، تبحث في المسائل الشرعية العصرية، وتضع لها ما يناسبها من الأحكام؛ وإنما يضطلع بهذا العبء، ويقوم على تحرير مثل هذه المجلة. لجنة مؤلفة من أكبر علماء هذا العصر، ممن تضلعوا من مورد الكتاب والسنة، وعرفوا مذاهب الأئمة، ووقفوا على كنه الزمن ونواميس العمران، ودرسوا قوانين الدول وحقوق الأمم، ومارسوا الشؤون القضائية والإدارية. ألا وإن عملهم هذا سيكون له فوائد عظيمة جداً، منها أنه يتبين به أن الإسلام دين السماحة والتيسير، توافق أحكامه مصالح البشر في كل زمان ومكان، ولا يخفى أن من قواعده المأخوذة من نصوصه الكثيرة اليسر، ودفع الحرج والعسر، وأن الأمر إذا ضاق اتسع، وأن الضرورات تبيح المحظورات، فاستنباط الأحكام التي يدعو إليها الزمان من مآخذها وأدلتها يكون مبنياً على أساس حفظ مصالح الأمة ودرء المفاسد عنها، وقد تكرر هذا المعنى. (ومنها) أن اعتماد ما كان أقرب دليلاً وأكثر ملاءمة لحاجة العصر وطبيعة الأمة، من مذاهب الأئمة، يتبين به سعة الفقه الإسلامي، وأن اختلاف علمائنا رحمة والأخذ من متنوع مذاهبهم نعمة
(ومنها) رد المزاعم القائلة بأن الإسلام لا يلتقي مع حاجة البشر، ولا يبحث فيما يتجدد من شؤون الزمن. على أن الواقع أن بعض فقهائنا قد بحثوا في بعض ما ظهر في عصرنا من الشؤون؛ فهذا الفقيه الكبير الأستاذ الشيخ محمد بخيت قد ألف كتاباً أجاز فيه العمل بخبر البرق (التلغراف) سماه (إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة) ومثله الأستاذ الشهير الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي في كتابه (إرشاد الخلق إلى العمل بخبر البرق) وقد أثبت