المحاربين الزنوج الذين كانوا يجمعون من المستعمرات، فرأوا فيها ما كانت تنزع إليه أجسامهم من الترنح والنزق. وقد مهد لهذه الرقصات الشعواء عند الناس حال النشاط الخارق وتوتر الأعصاب الذي استولى عليهم في الحرب
أما الرسم فقد سخرته الحرب، فكان من أقوى وسائل الدعاية فيها، وازدهر منه الكاريكاتير الذي يحتمل سخرية الخصوم بالخصوم، والذي ينفسح لكل خيال يحلق إليه الرسام
ومع هذا فلم يخل رسم الحرب من النساء والخمر والعبث، فقد انتشرت في الحرب العالمية الماضية صور النساء العاريات، والرجال العراة، كما ذاعت نكات السكارى المصورة وغيرها من النكات. . .
وكذلك التمثيل فقد احتضنت منه الدعاية جانباً كما احتضن منه المجون جانباً، فشارلي شابلن، وريجيدان , وكشكش بك، والبربري عثمان، كلهم من مواليد الحرب، وقد كانوا جميعاً في تمثيلهم يؤدون واجب الدعاية لأوطانهم وجيوشهم، كما كانوا جميعاً في يروحون عن الناس بتهريجهم. وإذا كانوا قد مثلوا شيئاً بعد الحرب فإن طابع الحرب ظاهر فيه إلى مدى بعيد، فالعالم لم يستطع أن يتحول بشعوره عن حالة الحرب إلا بعد وقت طويل من خمودها.
والذي يتابع روايات شارلي شابلن يرى أنها أخذت تتخلص شيئاً فشيئاً من التهريج المناسب للحرب، وتذهب شيئاً فشيئاً إلى نقد الحياة الإنسانية في جوهر نفسها وفي مظاهر اجتماعها حتى كانت روايته الأخيرة (العصر الحديث) نقداً عاماً للإنسانية عامة.
ولكن شارلي لا بد أن يعود إلى فن الحرب منذ اليوم. بل لقد أعلن العالم بروايته (الديكتاتورية) التي سيقارع بها ألمانيا وهتلر والتي أعتقد أن أثرها في النيل منهما سيكون أعظم بكثير من حملة تجردها جيوش كثيرة عليهما. . . فإن هذه الرواية ستكون حملة يقود فيها شارلي شعبه الهائل الذي يكاد يشتمل أفراد الإنسانية جميعاً.
وكذلك من يتابع روايات نجيب الريحاني يرى أنها كانت في أيام الحرب دعاية وبهجة وتهريجاً وعرضاً موسيقياً اتسع لثلاث زعامات فنية: هي زعامة نجيب الريحاني، وزعامة بديع خيري، وزعامة سيد درويش. . . ثم أخذ مسرح الريحاني بعد ذلك يهدأ قليلاً قليلاً، حتى مثل الريحاني في السنوات الأخيرة كوميديات تكاد تكون درامات من كثرة ما فيها من