ولكن الرسم أنقذته المطبعة فمكنته من الحياة في الحرب، والتمثيل استعانته الدعاية فأعانها وإنه لقدير على نجدتها
والرسم والتمثيل فنان، وهما لا يستطيعان متى تيقظا أن يستعصيا على دوافع الحياة ومؤثراتها فلا بد أن يخضعا لما تخضع له فنون الحرب من هذه الدوافع وهذه المؤثرات. ولا بد أن تدب إليهما ما تخلقه الحرب في الأحياء من الحماسة والفخر بالبطولة والفتوة وسائر فضائل الحرب، كما يجب أن يشيع فيها الميل إلى النساء والخمر والعبث. فهذا الموكب من الأحاسيس هو الذي تتجند له البشرية في الحرب
والعالم اليوم في حرب، فهل ستنطبع الفنون بهذا الطابع الذي تبصمها به الحرب؟
قد كان العالم في حرب منذ ربع قرن. ولقد حدث أن تأثرت الفنون بالحرب، فتوقفت العمارة والنحت، وانتعش الشعر بروح الحماسة التي استطاعت بقدرة الله أن تصل حتى إلى مصر وإلى أمير شعرائها المترف المرحوم أحمد شوقي بك فقال:
بني مصر مكانكمو تهياً ... فهيا مهدوا للملك هيا
خذوا شمس النهار له حلياً ... ألم تك تاج أولكم مليا؟
. . . ومع أن الشعب لم يكن يفهم هذا الكلام (النحوي) فقد أساغه في لحن صاغه له فرد من أفراده كان فقيهاً يقرأ القرآن في المقابر، وكان فقيراً يستعين على الحياة في محنته بدهن الجدران وطلائها، وكان يغني في المواخير حيث كان يستطيع أن يجد من لا يتكبرون على الاستماع إليه وهو المرحوم الشيخ سيد درويش الذي غنى هذا النشيد بين عشرات الأغاني الملتهبة الأخرى
وكما انتعش الشعر بهذه الروح الحماسية: سواء منه العربي والمصري الدارج، فقد انتعش الغناء بها في العالم كله وفي مصر أيضاً بفضل سيد درويش كذلك، ولم يبرأ الغناء في العالم كله، ومصر محسوبة في العالم، من الإسراف في ذكر النساء والخمر والعبث
أما الرقص فقد جن جنونه في الدنيا، وكف الراقصون عن التانجو والفالس والفوكس تروت، وعفرتتهم الشارلستون وأمثالها من الرقصات المجنونة المكهربة التي انتشرت في العالم على أثر هدأة الحرب، والتي أخذها العالم عن الجنود الذين اقتبسوها من زملائهم