يتثنيان ويتخلعان رشاقة وتلطفاً إرضاء للمرأة، كما يرتشفان الهواء وهما يرقصان ثم يترنحان سكراً أو تمثيلاً للسكر، كما يهزلان ويخلطان عبثاً ومرحاً ومجوناً
هذه هي فنون الحرب في الشعوب المطبوعة على الحرب وهي منطلقة بفطرتها في براح الأرض.
وعندما تستقر هذه الشعوب تبدأ فيها فنون الاستقرار، فينشأ الرسم والنحت والخط والعمارة والتمثيل. . . ولعل أقرب مثل لهذه الشعوب هو الشعب التركي، فإنه لم تنشأ عنده هذه الفنون الأخرى إلا عندما اطمأن في أوربا، أما قبل ذلك فقد كان الشعب كله جيشاً، والجيش لا يملك أن يستقر لفن ما. ولم يظهر النحت في الحضارة التركية العثمانية لأنها كانت حضارة إسلامية، ولأن المسلمين ظلوا زمناً طويلاً وهم يكرهون النحت لصلته القديمة بالوثنية الجاهلية التي أقام العرب فيها الأصنام ليعبدوها محاكاة لما كانت تفعله المدنيات التي كانت تطوق جزيرتهم. فالنحت ليس من فنون المحاربين، ولذلك فإننا لا نراه عند القوقاز الذين لم يتسرب إليهم مثلما تسرب إلى العرب من رشح المدنيات
وعندما تحارب الشعوب المستقرة بعضها بعضاً، أو عندما تصد هذه الشعوب غارة الغائرين عليها، تكف العمارة، ويكف النحت. وقد كان للرسم أن ينام أيضاً لولا أن الطباعة تمهد له الانتقال الذي يلائم الحرب. وقد كان للتمثيل أن يهدأ كذلك لولا أنه ينقلب دعايات حربية. أما الشعر والغناء والرقص فهي فنون الحرب التي تستطيع مصاحبتها ومعاشرتها في كل حين.
والعمارة تكف لأن الحرب تهدم القائم المبني فيما مضى، وهذا لا يشجع على البناء الجديد مادام البناء عرضة للهدم، والنحت يكف لأن صاحبه لن يجد عندما ينشغل الناس بالحرب من يزوره ليقرأ السلام على تمثاله، والرسم ليس من فنون الحرب الطبيعية لاستلزامه المكان والأدوات الثقيلة، وكذلك التمثيل، بل إن التمثيل يزيد على الرسم امتناعاً في الحرب لأنه يستلزم بطبعه كثيراً من الهدوء والاستسلام إلى حادثات الزمان ليستخلص منها موضوعات، والهدوء في الحرب منعدم، ولا حوادث في الحرب إلا هذه المآسي ذات اللون الواحد والطابع الواحد، وهي مما يحسه الأفراد العاديون إحساساً لا يمتاز عليه إحساس الفنانين امتيازاً كبيراً، وهي مما يعبر عنه الناس في كل ساعة بأقوالهم وأفعالهم فهم في