فما دام الجيش المدافع سليماً فالحرب دائرة والمهاجم لم ينتصر، وإنما يكون النصر بالقضاء على القوة المدافعة لا بأخذ المدن. وخط سيجفريد قوي متين ولكنه أنشئ على عجل - في أقل من سنتين - وقد ظهرت فيه مواطن ضعف غير مأمونة، والجيش الفرنسي يختبره الآن ويلتمس هذه المواطن الضعيفة فيه ويحمل عليها، ويضطر ألمانيا إلى إرسال النجدات إليه (على جناحي نعامة) وبتوالي ورود هذه النجدات يخف الضغط الواقع على بولندة فتطول مقاومتها على خلاف ما حسب هتلر. ويجب أن يدخل في حساب الحاسب أن الجيش الألماني ليس كما يهولون به فقد كان جيش القيصر خيراً منه. ذلك أنه هو أيضاً أنشئ على عجل بعد أن ظلت ألمانيا عشرين سنة محرومة من جيش بالمعنى الصحيح بمقتضى معاهدة فرساي. ومن السهل أن تجند الملايين الرجال كما فعل هتلر ولكنه ليس من السهل أن تخرج العدد الكافي من الضباط الأكفاء في هذا العصر لهؤلاء الملايين من الجنود في أربع سنوات. فالجيش الألماني لا تنقصه الضخامة في العدد ولا في العدة ولكن ينقصه الضباط الأكفاء من الطراز الحديث بسبب هذه السرعة (البرقية) في تكوينهم
وقد كنا نظن من الواضح أن من العسير في هذا الزمان أن تسيطر أمة على العالم على نحو ما كان يحدث في العصور الماضية؛ فليس من الممكن في هذا الزمن أن تكون في العالم أمة واحدة لها شأن كما كان الحال في أيام الرومان والعرب وغيرهم. فما بين أكثر الأمم تفاوت يذكر إلا فيما يحدثه اختلاف الخصائص القومية؛ أما في العلوم والمعارف والمقدرة على الابتكار والاختراع وما إلى ذلك فالطبقة واحدة أو متقاربة. وقد رأينا الألمان في الحرب العظمى الماضية يفاجئون الحلفاء بالغازات السامة أو الخانقة أو الكاوية وما أشبه ذلك، ورأينا الحلفاء يسرعون إلى اختراع الكمامات الواقية ثم يصنعون هذه الغازات ويطلقونها على الألمان، وبذلك يضيعون عليهم هذه المزية. وأمثلة ذلك كثيرة وكلها شواهد على أن ألمانيا تكرر خطأها القديم ولا تعتبر بما كان في الحرب الماضية التي كان الظن أن عبرها ستظل ماثلة
ولعل هذه أول حرب تقدم أمة على إثارتها وهي جائعة، أو على الأقل وهي تعاني نقصاً شديداً في الأقوات والمواد الأخرى التي لا غنى عنها لا في سلم ولا في حرب. فلا عجب