المتاحف، وألا يدرسه غير المتخصصين على نحو ما يصنع الأوربيون في الآداب اليونانية واللاتينية، ثم تُقبِل كل أمة على لهجتها المحلية فتجعلها لغة التخاطب والتأليف، وبذلك تكون اللغة الفصيحة أُماً أو جدة للغات الشعوب العربية، كما صارت اللاتينية أُماً أو جدة للغات الشعوب اللاتينية. وقد صرح بذلك المسيو ماسينيون في خطبة ألقاها في بيروت سنة ١٩١٣ ونقدتها يومذاك بمقال أرسلته إلى جريدة (البلاغ) من باريس
والحق أن الفتنة التي أذاعها المستعمرون والمبشرون كانت فتنة براقة خدّاعة تُزيغ البصائر والعقول، وقد انخدع بها من انخدع في الأعوام الماضية، فكانت المفاضلة بين الفصيحة والعامية من المشكلات التي تقام لها المناظرات في بعض المعاهد والأندية الأدبية. وقد وصل صدى هذه الفتنة إلى المجمع اللغوي بالقاهرة فانقسم الأعضاء إلى فريقين: فريق يقول بدراسة اللهجات المحلية وفريق يقول بأن الأفضل إنفاق المال في إحياء الأدب القديم، وقامت بسبب هذه المشكلة مساجلات فوق صفحات الجرائد بين الدكتور منصور فهمي والدكتور طه حسين
والظاهر أن لأستاذ أحمد أمين من أنصار القول بإحياء اللهجات المحلية، فهو يدرس على صفحات مجلة الراديو المصري ألفاظ اللهجة المصرية باهتمام يدل على تأصل تلك الفتنة في نفسه الواعية!
فهل تكون مقالاته في مجلة الراديو المصري نواة لمحاضراته عن الأدب العربي المصري بكلية الآداب في الأعوام المقبلات؟
نحن فهمنا أن الغرض من إنشاء كرسي للأدب المصري بكلية الآداب هو درس الآثار الأدبية العظيمة التي أبدعها المصريون باللغة الفصيحة منذ فتح العرب مصر إلى اليوم لأن مصر تفردت بمزايا كثيرة بين الأمم العربية، فاعظم مكتبة عربية في العالم هي دار الكتب المصرية، وأعظم جامعة عربية في العالم هي الجامعة المصرية، وأعظم معهد إسلامي في العالم هو الأزهر الشريف، وأعظم صحافة عربية في العالم هي الصحافة المصرية، وأعظم معجم عربي وهو لسان العرب ألف في القاهرة، وأعظم كتاب في أسيرة النبوية وهو سيرة ابن هشام أُلِفَّ في مصر، وأعظم كتاب في تاريخ الإنشاء وهو صبح الأعشى ألفه أديب مصري هو القلقشندي، وأعظم موسوعة عربية وهي نهاية الأرب ألفها أديب