مصري هو النويري، وأعظم شارح لمذاهب التصوف، وهو الشعراني، مصري من أبناء المنوفية. . . ومصر كانت الملاذ لعلماء العرب بعد أن اعتدى التتار الهمجيون على بغداد؛ ومصر كانت الملجأ لأحرار التفكير من العرب حين اضطهدهم الأتراك في سورية ولبنان؛ ومصر كانت ولا تزال صلة الوصل بين الحضارة الشرقية والحضارة الغربية، وبفضل سواعد المصريين اندحر الصليبيون؛ وبفضل مصر حبطت دسائس المبشرين في الشرق وهم أعوان المستعمرين في تقويض دعائم الحضارة العربية
فما الذي سيصنع أحمد أمين حين يدرس الأدب المصري بكلية الآداب؟
أترونه يفهم الغرض الأصيل من الأدب المصري فيرفع آصار الخمول عن مآثر المصريين في خدمة الأدب واللغة والتاريخ والتشريع؟ أم ترونه يتخذ مادة الدرس من الكلام عن أحاديث الحاجة خدُّوجة والمعلِّم مشحوت؟
إن كلية الآداب لن تعيش بمنجاة من رقابة النقد الأدبي، ولن يهمس أحمد أمين بكلمة أو فكرة بدون أن تصل إلى من يهمهم معرفة جوهر الرسالة الأدبية التي تذيعها كلية الآداب، ولن يرن في أبهاء تلك الكلية صوت ينطق بالحق أو بالباطل إلا وحوله أرصاد من عقول الشبان الأذكياء الذين توِّجههم عزائمهم وقلوبهم إلى أن يكونوا أبطال الفكر العربي الصحيح في العصر الحديث!
وإني لموقن بأن أصدقائنا من أساتذة كلية الآداب يعرفون جيداً أن الأمة تنتظر أن يكون ذلك المعهد العظم أهلاً في كل وقت للأمانة العظيمة التي عهدتْ بها إليه، فلا يكون مسرحاً للآراء الفطيرة التي يذيعها بعض الناس في إحدى المجلات
لقد رجونا ألف مرة أن تكون كلية الآداب بالقاهرة هي النبراس الذي تستضئ بها العقول في الشرق، وقد استطاعت تلك الكلية بفضل المتفوقين من أساتذتها وخريجيها أن ترفع لواء الدراسات الأدبية والفلسفية، فمن المجازفة بسمعتها العلمية أن تصفح عمن يقفون عند الحدود السطحية في فهم الأدب والتاريخ
أقول هذا وقد كتب إليَّ أحد المتخرجين في تلك الكلية خطاباً يقول فيه: إن اللغة العربية ليست لغة المصريين. ولو شئت لصرحت باسم صاحب ذلك الخطاب، ولكنه صديق عزيز لا أحب أن أعرضه للاتسام بسمة الخطأ الذي وقع فيه أساتذة أحمد أمين