وليقل عني من شاء ما شاء، ثم أسمع عبد الوهاب فاعجب، ولكني لا اطرب، فإذا سمعت علياً الكردي في الشام أو القبانجي في بغداد عرفت ما هو الطرب.
هكذا أنا، وهكذا الناس، فدعوا لنا أغانينا. . .
وضرب الشاب في كل فن من الغناء، ثم غنّى في أبيات أبي صخر الهذلي:
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
فيا حبها زدني جوىً كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
ويا هجر ليلي قد بلغت بي المدى ... وزدت على ما ليس يبلغه الهجر
وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذعر
فنقلني إلى مجالس الخلفاء التي صورها أبو الفرج، ونال مني الطرب؛ فعرفت أن لقد كان حقاً ما ذكر الأصبهاني وأن المرء قد يمزق ثوبه من الطرب، أو يحرق لحيته بالسراج وينادي النار يا أولاد ال ـ. . . ومن يضع الوسادة على رأسه ويصيح (زلابية بعسل). . .
ولكن ماذا ينفع الشاب إعجابي، وماذا تفيده هذه العبقرية وهو مضطر إلى العمل في سوق الحميدية ليعيش؟ أفليس حراماً أن يدفن هذا النبوغ في دكان؟ أليس حراماً أن صبحي الحموي يعيش متنقلاً بين القرى يراقب إصلاح لطرق المخربة وهو من أقدر من أمسك بمضراب العود؟ أليس حراماً أن يكون عليّ الكردي شيخ الفن القديم في الشام دلال بيوت؟ أليس حراماً أن يشتغل تحسين بك سيد أهل الناي في البلاد كلها بإصلاح أنابيب المياه في البيوت وهو في الثمانين من عمره؟
وفي بغداد، أليس الشيخ حيدر الجوادي عاملاً في دار لتجليد الكتب؟ وفي مصر، أما فيها كثير من أهل الفن لا يعبأ بهم أحد؟
ولكن لا بأس
لقد عهدتك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي