وكان يكره أن يعود من حجته إلى البحر خال اليد، فكان يجمل (إليها) من البحر محارة أو صدفة يرفعها إليها في صمت كأنما يؤكد لها أنه ما نسيها ولا غفل عنها إذ نأت وغابت. وكانت هي تقبل منه هديته الفقيرة الرخيصة والله وحده يعلم أكانت تقبلها حباً، أم كانت تقبلها إغراء
٢ - الطعنة الأولى
وفي يوم طار إليها بمحارة عجب، فإذا هي تصده، بل وتحمله إليه ما جمعته من محاره وصدفه وتمد إليه به يدها وهي تقول:(منعتني أمي من قبول هدايا الصبيان!. . .)
ولو لم يكن يرى أمها تستميل إليها من أبناء الجيران صبياً مات أبوه عن ثروة، ما أحزنه هذا الصد وما أشقاه. . . ولكن الذي أدمى قلبه هو أن أدرك للمرة الأولى أن هناك فرقاً بين الأغنياء والفقراء. وأن هذا الفرق ملحوظ مرئي دون غيره من الفروق.
فحمل محاره وصدفه، وغسل بدمعه آيات غروره وجهله، ودفن المحار والصدف تحت عتبة مسجد سيدي (حذيفة). . . ثم دخل المسجد وتوضأ وصلى صلاة الجنازة على أمله
٣ - الشيخ
وحسبوه من كثرة لزومه للمسجد ولياً من أولياء الله. وقد كان ولياً من أولياء الله. فوهبوه لكتاب الله. وألبسوه عمامة وجبة وقفطاناً، وأرسلوه إلى معهد الإسكندرية وعرفته (كوم الدكة) منذ ذلك الحين باسم الشيخ السيسي. . . لأنه كان صغيراً، وكان عجيباً في عمامته وجبته وقفطانه. . .
ولم يتأب هو على هذه (الشيخوخة) التي عاجلته، وإنما كان يجد فيها متعة ولهواً محببين، فقد يسرت له الحفظ والتجويد، والقراءة والغناء. . . وظل في (شيخوخته) هذه طفلاً كما كان يجمع حوله الفتيان والفتيات ويقوم بينهم على حجر أو كرسي. عريض من خشب يمدح النبي، ويرثي الحسين!
٤ - مبيض الجدران
وقد كان أهل الحي أن يطلبوه في أفراحهم ومآتمهم، ولكنهم كانوا يطلبون غيره كلما