اعتزموا أن يدفعوا أجراً؛ أما هو فكانوا يتزاحمون حوله كلما قرأ أو غنى في الطريق، أو في المقهى، أو في المسجد أو على الربوة. . . يسمعونه ويحيونه، ويتحدون به القراء والمغنين، ولكنهم لم يكونوا يملكون أن يستأجروه، لأنه لم يكن ينطلق إلا بإرادته، وبوحي من مزاجه، فإذا أكره على الشدو ثقل الشدو على نفسه وعلى نفوس مستمعيه. . .
ولهذا كان إذا أراد أن يرتزق بيَّض الجدران مع النقاشين والبناءين. . . وأعجب ما كان منه أنه كان ينطلق عندئذ بالغناء أنيناً وشكاية، أو بهجة واستبشاراً، وكان من زملائه من يحمل عنه عمله راضياً مسروراً
٥ - في الأوحال
ترعرع وترعرعت. وكانا يلتقيان. وقد كان يغنيها وكانت تستمع إليه. ولكنه كان قد طوى نفسه على عزمة ملكته: ألا يدنس الحب، وأن يسلم أمره لله. . .
وتزوجت هي. . . وانهار هو. . .
فهجر (كوم الدكة) إلى حي الرجس. وأدمن النساء، وانكب على الخمر والمخدرات يتعجل الموت فلم يعد له في الدنيا رجاء
وقيل إنه أحب، وما أحب وإنما كان يبحث عن حب، ولم يكن المحروق القلب ليحب ما أكلت قلبه النار
ومن أعماق هذه الأقذار كان يتعالى صوت السيسي بألحان من وحي الطهر والعفة. كان يرسلها مع الدمع ونفحات الجحيم المتأجج بين جنبيه فكان فيها تطهير نفسه ونفوس هؤلاء الذين كانوا يتردون الخطيئة حوله، ويترددون عليه كأنه التوبة أو الصلاة.
٦ - وهج الروح
وإلى جانب هذا الحب، وإلى جانب هذا اليأس، كانت حرب وكانت ثورة، واندلعت في هذا الأتون المستعر روح الشيخ السيسي
وكان قد عاد من الشام بعد رحلة بائسة اصطحب فيها ممثلاً سوريَّاً أراد أن يتحف به أهل وطنه ولكنهما أخفقا معاً.
وكان السيسي قد جرب نفسه مرة في القاهرة في مسرح الشيخ سلامة حجازي فثار عليه