وهو جالس عند صديق له صائغ وتهبط عليهما غانيته مسرفة في التزين والتبرج، وتراه ممسكاً - بعوده فتعابثه وتطلب منه (غنوة) فما أسرعه إلى إنشاده. . .
الأستيك على صدركْ بِضوي ... ون قلبي مِتْعلَّ ساعة
ويصطدم بذات المحار والصدف فيتقارآن السلام ويتعاتبان وأعصابه ترتج وأنفاسه تضطرب فما تبرحه وما تنقضي ليلة أو ليلتان حتى تسمع البلد كلها تغني من لحن سيد:
زروني كل سنة مرَّة - حرام تنسوني بالمرة
ويغاضب إحدى صويحباته فيكيدها بغنائه:
يومْ تركت الحب كانْ لي ... في مجال الأنس جانب
والتقيت المجد عادْ لي ... بعد ما كانْ عني غايب
ولم يكن سيد يعبأ بأن يكون كلامه موزوناً أو مستوفياً لشروط الشعر وشروط صحته، فما كان يعرف إلا أنه يغني، وكان غناؤه سليماً!
٨ - تلميذ
وعلى الرغم من المجد العظيم الذي أتيح له، فقد كان يرى نفسه جاهلاً بالفن وأصوله. ولعل ذلك راجع إلى أنه لم يتعلم الموسيقى على أحد، فقد خرج إلى الحياة ألفى نفسه يغني، ثم عرف أن للغناء قواعد وأصولاً، فراح يحصل منها ما يتاح له، ولكنه لم يتح له أن يروي غليله من علومها وفنونها، فكانت أمنيته الكبرى أن يتيسر له السفر إلى إيطاليا ليتعلم الموسيقى. . .
ولست أدري ما الذي كان يريد أن يتعلم سيد؟
ربما كان يريد أن يدرس أسلوب الغرب في صناعة الموسيقى. أما الفن، فأنا مؤمن بأن سيداً لم ينكب برزء أسود من نسبته إلى مصر، فلو قد كان إيطالياً، أو من شعب متقدم، لكنا نسمع اليوم ألحانه عن طريق السينما، وعلى اعتبار أنها معجزات من الغرب!
وهنا في مصر يحال بين ألحانه وبين المعهد الملكي للموسيقى الشرقية. . . لأن هذا المعهد لا يعترف بموسيقى المسرح، أو لأن حضرة صاحب العزة مصطفى بك رضا الموظف في وزارة الأوقاف ومدير معهد الموسيقى والمنصوب له تمثال على حياة عينيه في حوش المعهد، والذي لم يسمع له إنسان لحناً أو أغنية - قال له الأستاذ عزيز عثمان: إن ألحان