حين فجأة تذوب. وكانت كلما اشتدت حرارة النار خرج من الصخرة الذائبة سائل ذائب كالماء الملوث بالطين حين يهم بالتدفق، ثم التفت أثناء جريها، وتحولت إلى ما يشبه حية سوداء هاربة من النار التي أخرجت من الصخر هذه المادة الغريبة.
لم يعرف توبال قابيل ما هو هذا السائل، ولكن هذه أول مرة رأى فيها الحديد أي إنسان على الأرض، فإن هذا السائل الناري لما جرى واستبرد أصبح معدناً ثميناً كان من قبل مختبئاً في الخام الصخري.
وانقضت أسابيع وشهور بعد رؤية هذا السائل المتدفق من الصخرة، وقد قضى هذه المدة في جمع الصخور المماثلة لما رآه من جوانب الجبل، وكان يجلب لها ناره ليرى هل هذه الصخور ستذوب أيضاً؟ فوجد أن بعضها الآخر أخرج نقاطاً لامعة متوهجة تتحول فيما بعد إلى معدن أرق هو الذي نعرفه باسم النحاس
وكان يجري تجربته في كل قطعة من الحجر الذي جربه أولاً ويراقب ما يصير إليه أمرها حين تبترد ليعرف إلى أي شكل تتحول
وفي أحد الأيام، حاول أن يصوغ المعدن في أثناء حرارته وابتراده، فطاوعه المعدن وتمكن من طرقه وتحديد طرفه كالسنان الذي يصنعه من الحجر.
وعند خروجه للصيد للمرة التالية رأى وحشاً يقبل نحو كهف في الجبل الذي يقيم فيه فرماه بسنانه الحديدي الجديد وأصابه السنان في جبهته وقتله للحال
وكان هذا أول سلاح معدني صنع في العالم؛ ورأى توبال قابيل أن في وسعه صنع أسلحة أخرى من هذه المادة الجديدة التي يمكن طرقها عند الحد أكثر مما تطرق الأحجار والفلزات التي يقضي في نحتها ساعات متعبة
ولم يقل شيئاً عن هذا السر للصيادين الآخرين الذين كانوا يأتون أحياناً إلى موطنه في الجبال ولا لسكان الوادي؛ ولكن الجميع دهشوا من وفرة قوته ومن حذقه الصيد لأنه كان يأتي بصيد أكثر مما يأتي به أي اثنين مجتمعين في هذه الجبهة الجبلية.
وكان أجدى على سكان الوادي من اثنين كذلك لحمايته إياهم من غارة الوحوش الضارية؛ ولكنه أفضى إلى جده متوشالح باستكشافه الغريب وأراه كل أنواع الأسنة والأسلحة المحدودة والآلات الحادة التي صنعها وصاغها بإحمائها وسكبها في حفر وأخاديد في