شعر العرب، وأنه شاعر مجيد يصل من التقليد والمهارة فيه إلى حيث لا يستطيع أحد أن يميز بين ما يروي وينتحل
ويقول المفضل الضبي - والدكتور يثق به كل الثقة - إن حماداً قد افسد الشعر إفساداً لا يصلح بعده أبداً. فلما سئل عن ذلك: ألحن أم أخطأ؟ قال: ليته كان كذلك فإن أهل العلم يردون من أخطأ إلى الصواب، ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله في شعره ويحمل ذلك عنه في الآفاق فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، وأين ذلك؟
ويحدثنا عنه محمد بن سلام - والدكتور لا يشك في روايته أيضاً - أنه دخل على بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري فقال له بلال: ما أطرفتني شيئاً؟ فعاد إليه حماد فأنشده القصيدة التي في شعر الحطيئة في مديح أبي موسى. قال بلال: ويحك! يمدح الحطيئة أبا موسى ولا أعلم به، وأنا أروي شعر الحطيئة! والرواة أنفسهم يختلفون في قائلها فمنهم من يزعم أن الحطيئة قالها حقاً
وكان يونس بن حبيب يقول: العجب لمن يروي لحماد، كان يكسر ويلحن ويكذب
وثبت كذب حماد الرواية للمهدي فأمر حاجبيه فأعلن في الناس أن يبطل رواية حماد
فهل صحيح يا دكتور ما تقوله من أنك قد (أحصيت ما عرف لحماد من الشعر، على أنه له، أو على أنه محمول على بعض الشعراء الجاهليين أو المخضرمين، فكان كله أربعة وعشرين بيتاً)، وأن حماداً لا يستطيع أن يقول قصيدة واحدة ذات شخصية أدبية وقيمة فنية، وأنه لم يدس في الشعر غير البيت أو الأبيات القلائل؟
وما لنا والإطالة؟ فهل يشك أحد - غير الدكتور مهدي البصير - في أن حماداً كان يسرف في الرواية والتكثر منها، وأن له في ذلك أخباراً لا يكاد يصدقها أحد؟ فلم يكن يسأل عن شيء إلا عرفه! وقد زعم للوليد بن يزيد أنه يستطيع أن يروي على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة لم يعرفهم من الشعراء. قالوا: وامتحنه الوليد حتى ضجر فوكل به من أتم امتحانه ثم أجازه
لا تظنوا مما حدثتكم به أني أريد أو أحاول أن أبدي رأياً في الشعر الجاهلي، وإنما كل ما طمعت فيه أن أبين لكم أن الكتاب الذي بعث الشعر الجاهلي، كما يخيل إلى صاحبه، برئ