للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مما يدعي أو يتخيل، وأنه خال من العمق، وهو سطحي كما يقولون. أو قولوا إنه شرح لمعاني المعلقات على أنها آيات منزلات أكثر منه محاولة لبعث الشعر الجاهلي، وهو قائم على الإبهام والتضليل لمن لم يؤت نصيباً من الأدب، وعلى الغفلة والانخداع. والباحث يخيل للقراء أو قل يخيل إليه أنه قد أحاط بالأدب والأدباء الجاهلين مع أنه لم يحط من ذلك بشيء. وإنما عرف صياغة بعض الجمل، وعلماً عامياً اقتطفه من الكتب اقتطافاً. . وآية ذلك أنه في بحثه الجديد الذي سماه (بعث الشعر الجاهلي) لم يكشف للناس عن شيء جديد في أمر هؤلاء الشعراء الجاهليين وشعرهم، وإنما ظل هؤلاء عند من يشك كما كانوا، بل زادوا شكاً وارتياباً.

هذا النحو من البحث السطحي شر، لأنه قاصر وعقيم، ولأنه لم يأت بالثمرة المطلوبة أو بما يشبهها، ولأنه لا يمت إلى العلم بصلة، ولأنه لا يصلح إلا للمتوسطات من المدارس.

لقد حدثتك عن الوجه الأول والثاني، وقد كدت أن أنسى الوجه الثالث وفيه اقترف المؤلف من الأحكام الخواطئ والتفسيرات السقيمة والآراء الفطيرة ما جعلنا نتذكره ونشعر بضرورة الهداية والإصلاح والجهاد في سبيل الأدب والأدباء.

يشرح الدكتور معنى البيت:

وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم

قائلاً: إن الشاعر (يعلن أنه يعرف ماضي الحياة وحاضرها لأنه رآهما، ولكنه يجهل مستقبلها) (ص ٤١) وهذا الشرح معقول مقبول لا يختلف فيه اثنان، ولكن مما يدعو إلى النظر والتروي ما يستنتجه الدكتور من قول الشاعر: (ولكنني عن علم ما في غد عم) إذ يزعم (أنه لا يؤمن بالبعث) (ص٤١). إن هذا الإدعاء باطل؛ فإن الرواة يتحدثون أنه تنبأ بظهور الإسلام وأوصى ابنيه كعباً وبجيراً أن يسلما. وهم يروون له أشعاراً كثيرة فيها أصول دينية. وذكر أبو عبيدة عن قتيبة ابن شبيب بن العوام بن زهير عن آبائه الذين أدركوا بجيراً وكعباً ابني زهير قال: كان أبي من مترهبة العرب وكان يقول: (لولا أن تفندوني لسجدت للذي يحي بعد الموت! قال: ثم إن زهيراً رأى قبل موته بسنة في نومه كأنه رفع إلى السماء حتى كاد يمس السماء بيده ثم انقطعت به الحبال، فدعا بنيه فقال: يا بني، رأيت كذا وكذا وإنه سيكون بعدي أمر يعلو من اتبعه ويفلح، فخذوا بحظكم منه، ثم لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>