للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن يكون العرب في كلامك هم المسلمون

ولا صحة للوجه الثاني لأن العرب بعد الإسلام تغنوا بأنهار مصر والشام والعراق والأندلس غناء يشهد بأنهم فتنوا أشد الفتون بأنهار تلك البلاد حتى صح لعمر بن أبي ربيعه أن يضرب المثل بعذوبة ماء الفرات فيقول:

أسُكَيْن ما ماءُ الفرات وطيبهُ ... منى على ظمأ وَبرد شراب

بألذ منك وإن نأيت وقلما ... يرعى النساء أمانة الغُيّاب

وحسان في جاهليته جعل ماء بردى يصفق بالرحيق. واتفق لبعض المسلمين أن يقول بأن بردى أنزه بقاع الأرض، فكيف يجوز مع هذا أن يحكموا بأن الماء الحقير في المستنقع الجاهلي أعذب من سائر المياه في الأرض؟

واتفق لأحد شعراء الأندلس، وهو ابن خفاجة أن يحكم بأن الأندلس هي جنة الخلد، ولذلك اتهم بالمروق من الدين، فهل يصح في ذهن ابن خفاجة أن تكون المستنقعات الجاهلية أطيب من المياه الأندلسية وهي تجري في رعاية الرياض والبساتين؟

وتحدث النويري والعمري عما عرف العرب من بحار وأنهار وغدران حديثاً يشهد بأن العرب بعد إسلامهم فتنوا بما رأوا من طيبات الوجود كل الفتون

يبقى الوجه الأول وهو أن يكون العرب في كلام أحمد أمين هم أهل الجاهلية

وأعترف بأن الجاهليين فضلوا مياههم على سائر مياه الأرض ولكن هل يدرك أحمد أمين سر هذا التفضيل؟

إن العربي في جاهليته كان يرى ماءه خير المياه، لأن كلمة (ماء) عند أهل الجاهلية ترادف كلمة (الوطن) ومن حق الرجل الكريم أن يرى وطنه خير الأوطان

وأتصدق على الأستاذ الناقد فأقول إن الكتب المؤلفة في (مياه العرب) لم يكن يراد بها وصف تلك المياه من وجهة طبيعية كأن يقال هذا ماء عذب وذاك ماء أجاج، وإنما كان يراد بالحديث عن (مياه العرب) وصف المواطن التي تجمع فيها العرب أيام الجاهلية، فهي دراسة لطبائع السكان في تلك البقاع، وتعريف بقواهم المعاشية

وإذا صح للشاعر الحضري أن يفضل أروند على بغداد فيقول:

وقالت نساء الحي أين ابن أختنا ... ألا خبِّرونا عنه حيّيتُمُ وفدا

<<  <  ج:
ص:  >  >>