للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صنع، وكان لنفسه من الظالمين

ثم ماذا؟

ثم نسوق القول في أيام الجاهلية التي ندد بها أحمد أمين

إن أيام الجاهلية كان لها في الواقع صدى رنّان في أسماع العرب بعد الإسلام، وقد شُغِلَ بها كثير من المؤرخين، ولكن هل تدرون لأية غاية شُغِلَ العرب بذلك التاريخ؟

إن وقائع العرب في الجاهلية لها ألوان مختلفات، فبعضها يصور ما كان بين قبائل العرب من نزاع وشقاق قضت بهما منافع المعاش أو مَطالب المجد، وبعضها يصوَّر مغالبة العرب لطغيان الأحباش والفُرس والروم

أما التاريخ الذي يصور ما كان بين القبائل من حروب فكان الحرص عليه يرجع إلى غاية سياسية، ولتلك الغاية صورة هي اشتباك الأورمات العربية في الخصومات حول المناصب الرئيسية بعد أن مكّن لهم الإسلام من نواصي المجد والمعاش، وكذلك كانت القبائل تحيي وقائع الجاهلية لتأخذ منها وقوداً لأتُّون المنازعات حول الرياسة والملك. . . ولا يعاب على أمة أن تحيي ماضيها لتنتفع به في إذكاء العزائم والقلوب

وأما التاريخ الذي يصور وقائع العرب مع الأحباش والفُرس والروم فكانت له غاية قومية، هي تكذيب ما ادعاه الشعوبيون من أن العرب لم تكن لهم ذاتية قبل الإسلام وأنهم لم يذوقوا طعم المجد إلا بفضل الدين الحنيف

وما كان يؤذي العرب أن يعترفوا بنعمة الإسلام عليهم، ولكنهم كانوا يكرهون أن يقال إنهم كانوا في كل عهود الجاهلية أذلاّء

ومن هنا رأيناهم يبدءون ويعيدون في عدّ أيامهم الغُرّ حين أُتيح لأسلافهم أن ينتصروا في بعض المواقع التي نازلوا فيها أعداءهم الأشداء

وهذا يفسَر إكثارهم من الطنطنة في أشعارهم بيوم ذي قار الذي انتصر فيه العرب على الفُرس انتصاراً أشعرهم بما في قلوبهم وعزائمهم من صلابة ومتانة وحيوية. ويوم ذي قار في الجاهلية كان له فضل في إذكاء حمية العرب يوم القادسية، وهو اليوم الذي عرف فيه العرب أنهم قادرون على امتلاك ناصية الشرق.

وقد ظل يوم ذي قار يذكر في الأشعار بعد الإسلام بأجيال طوال، وأظنه سيذكر بعد هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>