النبأ العجيب عن زاهد المدرسة. أما الشيخ فكان يتكلم في هدوء ووداعة مؤمناً بقوله متأكداً منه، كأنما يخبر عن شيء يدرك بالبداهة من غير أن يكون للعقل فيع نقاش، وكان الفتى مأخوذاً بشيء من الدهشة والاستغراب كأنما يحاول ألا يصدق هذا الخبر الذي ما مر له بخاطر من قبل، ولكن نفسه كانت تميل إلى تصديقه مقتنعة بصلاح الشيخ وتقواه، ذاكرةً أنه لا شيء يدعوه إلى اختلاق فرية كهذه. وحدثته نفسه أن يقطع هذا الحديث عن الأفواه، فصاح في الطلبة يقول: إن صدق الشيخ في دعواه، فسأبتني لكم مدرسة تفوق هذه روعةً وجمالاً، وسأغمركم بهبات وعطايا لا ينضب معينها، وسأجعل لكم فوق ذلك سلطنة منكم تقوم دعائمها على كواهلكم في ربيع كل عام، وكأن الفتى النابه أراد بهذا كبح الغيرة التي رأى ملامحها تتسرب إلى نفوس بعض الطلبة، وفي الناس من تركبه الغيرة بمجرد الوهم والخيال.
كان هذا الطالب من أسرة شريفة نبيلة، وردت من الحجاز منذ أمد بعيد، وأقامت في جنوب المغرب ببلاد سجلماسة، وكان يدعى الرشيد بن الشريف بن علي، وأبوه هذا كان له وقتئذ مقام محمود ومنزل محترم بين أهالي البلاد، بفضل انتسابه للبيت النبوي ودعوته المخلصة للإصلاح والإرشاد.
قال الراوي: وجاء الزمن فطوى من التاريخ مراحل، وجعل في الأحوال الاجتماعية مشاكل، ومهد للساسة والعظماء سبلاً وطرائق، ولم يشعر القوم حتى كان الجالس على عرش المغرب، والمسيطر على دولته هو الرشيد، ذلك الفتى الذي كان طالباً في جامعة القرويين وتنبأ له الشيخ الصالح بالملك وهو في مطلع الشباب.
لم ينس السلطان مولاي الرشيد وعداً كان قطعه على نفسه للطلاب، وهو حول مائدة العشاء يوم كان طالباً عادياً لا أقل ولا أكثر. فلقد وفى بوعده خير وفاء، ولم تُنسه مشاغل الملك حياة الجامعة وملاهي الصبا.
فأما المدرسة، فالتاريخ نفسه يؤكد بناءَ الرشيد للمدرسة التي بحي الشراطين، والتي تدعى اليوم بمدرسة الشراطين، وكان الشروع في بنائها عام ١٠٨١، إلا أنها لم تتم إلا في عهد أخيه إسماعيل من بعده سنة ١٠٨٩، وهذه المدرسة - كباقي المدارس الأخرى - كانت في القديم لدراسة العلم وسكنى طلابه في آن معاً، أما اليوم فهي لمأواهم ليس غير.